0 تصويتات
في تصنيف ملخصات دروس بواسطة (628ألف نقاط)

ملخص النظرية والتجربة 

مفهوم : النظرية والتجربة

المحور الأول : التجربة والتجريب  

المحور الثاني : العقلانية العلمية

المحور الثالث :معايير علمية النظريات العلمية 

أهلاً بكم طلاب وطالبات الباك 2023 في موقعنا باك نت يسرنا بزيارتكم أن نقدم لكم ملخص النظرية والتجربة 

وهو كالتالي 

مفهوم : النظرية والتجربة  

تقديم عام للمفهوم 

إن الملاحظة العينية المباشرة لكل من مفهومي النظرية والتجربة تشير إل طبيعة الاختلاف القائم بين المفهومين :فالنظرية مقترنة بالتفكير والتأمل في حين التجربة مرتبطة بالممارسة والواقع،النطرية تنتمي للعقل بينما التجربة تنتمي إلى الواقع ومن هنا كان يلوح ذاك السؤال حول علاقة الفكر بالواقع .

غير أن الحديث عن المفهومين في ظل الممارسة العلمية باعتبارهما الوسيلتين الأساسيتين في محاولاتها لتفسير ظواهر الكون جعل من طبيعة العلاقة بين المفهومين تتسم بالتعقيد والتداخل،فقد تجاوز العالم مرحلة الاختلاف إلى مرحلة التكامل والتحاور.

يحمل مفهوم النظرية في التمثل المشترك معاني القول والحكم والرأي، والنظرية حسب هذا التمثل تكون إما سلبية أو إيجابية، سلبية إذا لم يسندها الفعل والعمل وإيجابية إذا تحولت إلى أداة للفعل والعمل وجلب المنافع، وبهذا يتبين أن التمثل المشترك ازدرى التنظير واحتقره، مما يبرز مدى قصوره ومحدودية أفقه، أما في الدلالة الفلسفية اعتبرها "لالاند" بمثابة "إنشاء تأملي للفكر،يربط نتائج بمبادئ"، ليستخلص من هذا التعريف أن النظرية عقلية، وبذلك فهي تتقابل مع الممارسة والتطبيق.

أما مفهوم التجربة فيحمل في التمثل المشترك معاني الإحتكاك والإرتباط بالواقع التي تسمح للفرد، باكتساب خبرة معينة في مجال معين، (تدريس، بناء......) أما في المجال العلمي فتعني القيام بخطوات منظمة من طرف العالم لإستنباط القوانين المتحكمة في الظاهرة المدروسة .

وقد تمكن العلماء،بفضل مجهوداتهم الفكرية الكبيرة والمتواصلة،من بناء معرفة ونظريات علمية.وهي معرفة متميزة عن المعرفة العامية والتمثل المشترك،فإذا كانت المعرفة الأولى تنتج هن التجربة الحسية المباشرة وعن الخبرة الذاتية،فإن المعرفة الثانية وليدة التجربة العلمية والتجريب بمعناه العلمي .لكن رغم هذا التميز الذي تتصف به المعرفة العلمية عن المعرفة العامية فهي لا تتميز بالدوام والاستمرارية،بل إنها قابلة للتغير والفناء،فالعلم لا يسير في خط تصاعدي مستقيم بل تحدث فيه مجموعة من الرجات والأزمات،فالعلم كما يقول "غاستون باشلار" هو "تاريخ أخطائه وأزماته وقطائعه" الأمر الذي دفع بالعلماء إلى إعادة قراءة المعارف والنظريات العلمية وانتقادها قصد تصنيفها،فأصبحنا نتحدث عن علم كلاسيكي قائم على مبادئ وأسس عقلانية كلاسيكية ( ديكارت مثلا) وعن علم معاصر قائم على أسس عقلانية معاصرة ( باشلار مثلا ) .وأصبحنا نتحدث كذلك عما يجعل من النظريات العلمية تتميز بصفة العلمية،أي عن المعايير التي يمكن أن نعرف من خلالها مدى صحة وصدق النظريات العلمية .إذن وفي ظل هذا العراك العلمي المعرفي ستتبلور مجموعة من التساؤلات يكن صياغتها على الكل التالي : إن الحديث عن التجربة يجعلنا نتساءل:هل المراد بها التجربة الخام المتمثلة في معطيات الواقع التي على العالم ملاحظتها بدقة والإصغاء إليها بأمانة وبدون أية أحكام مسبقة،أم المقصود بها التجربة المصطنعة التي تتم في ظروف ووفق شروط محددة مسبقا بالنظرية نفسها المراد التأكد من صحتها ؟ ما الفرق بين التجربة والتجريب ؟ وعلى ماذا تتأسس النظرية العلمية ؟ ما دور كل من العقل والتجربة في بلورة النظرية العلمية ؟ وما هي معايير التأكد من صحة وصدق النظريات العلمية ؟ 

المحور الأول : التجربة والتجريب  

لا يمكن لنظرية ما أن تتصف بالعلمية ما لم يم التأكد منها تجريبيا والتحقق من صحتها عبر التجربة ،هذا القول يطرحنا أمام بعض التساؤلات تتعلق بدور التجربة في النظرية العلمية : فما هي التجربة التي نعنيها ونقصدها في هذا القول ؟هل قيام العالم بالتجربة معناه أن يصغي للواقع الجاهز القائم بذاته في استقلال عنه ،أم معناه أن يشيد ويبني واقعا جديدا اعتمادا على وسائله الخاصة ووفق خطوات يحددها هو بنفسه ؟ وبعبارة موجزة ما يثبت صحة وصدق نظرية ما هو التجربة الخام في الواقع أم التجريب باعتباره مسائلة واستنطاق له ؟ وما دور التجربة الخيالية في التأكد من صحة النظريات العلمية ؟

لقد ميز ألكسندر كويري بين التجربة والتجريب، فقد اعتبر التجربة بمعناها الحسي الخام والملاحظة العامية قد شكلت عائقا ابستمولوجيا أمام قيام العلم،إنها كانت جزء من المعرفة الماقبل علمية لخلوها من شروط العلمية والموضوعية،بخلاف التجريب الذي عده المساءلة المنهجية للطبيعة التي تفترض جملة من الشروط والمبادئ المنهجية التي تجعل التجريب منهجا عمليا منظما .  

موقف كلود برنار :   

لقد اعتبر كلود برنار أن الإحاطة بمبادئ المنهج التجريبي يتطلب من العالم نظامين من الشروط: 

أولهما،أن تكون لديه فكرة يخضعها للفحص في ضوء الواقع،أي ضرورة وجود فرضية سابقة على التجريب،لذلك على العالم ـ حسب برنار ـ أن يكون ملاحظا ومجربا في نفس الوقت.ثانيا،أن تكون معاينته للظاهرة معاينة سليمة من خلال اعتماده على كل الأدوات والوسائل التي من شأنها جعل ملاحظته للظاهرة ملاحظة أكثر شمولية.لذلك شبهه بآلة التصوير التي تنقل بالضبط ما هو موجود في الطبيعة .

وملاحظة العالم للطبيعة تتم في غياب أية فكرة مسبقة عنها،وما على العالم سوى الصمت والإنصات للطبيعة وتسجيل كل ما تمليه عليه ،لتظهر بعد ذلك الفكرة ( الفرضية ) لينتقل العالم بعد ذلك من موقع الملاحظ إلى موقع التجريب من أجل صياغة القانون أو الاستنتاج المفسر للظاهرة موضوع الملاحظة .لذلك اعتبر برنار أن العالم المتكامل هو الذي يوفق بين الفكر النظري و الممارسة العملية عبر خطوات ثابتة : الملاحظة،الفرضية،التجريب ثم الاستنتاج .

ففي الفيزياء الكلاسيكية مثلا : لاحظ غاليلي أن سرعة سقوط الأجسام في الهواء تختلف عن سرعتها في الماء، فافترض أن التسارع لا يعود إلى وزن الجسم وإنما إلى الوسط الذي يتم فيه السقوط ،فقام بالتجريب على سقوط الأجسام في أوساط مختلفة ( الهواء الماء الزئبق ثم الفراغ ) إلى أن وصل إلى استنتاج أو قانون عام (1 ) .سقوط الأجسام لا يعود إلى كثلتها وإنما إلى الوسط الذي يتم فيه السقوط . 

1ـ قانون سقوط الأجسام : 1 ـ تسقط جميع الأجسام في الفراغ بنفس السرعة مهما كان وزنها وطبيعتها 

                                2 ـ المسافة التي يقطعها الجسم الساقط متناسبة مع مربع الزمن الذي يستغرقه في السقوط 

موقف روني طوم : 

إن الواقعة التجريبية حسب طوم لا تستحق صفة العلمية إلا إذا استوفت شرطين أساسيين : أن تكون أولا قابلة لإعادة الصنع والتكرار في كل زمان ومكان،وثانيا أن تمتلك قيمة نفعية ومعرفية تستجيب لحاجيات الإنسان ،وهذان الشرطان يتطلبان التحقق من الأسس والمبادئ الأولية للفرضية التي يرجى توظيفها في العملية العلمية للتأكد من صدقها وصلاحيتها،وذلك بالرجوع إلى مصدرها الأساسي والمتمثل في النظرية التي تتضمن دائما كيانات خيالية يتم التسليم بوجودها،لذلك اعتبر طوم أن معاينة الواقعة وملاحظتها والتجريب عليها ليس هو الشرط الوحيد للتأكد من صحة الفرضية ،بل لا بد من استثمار التجارب الخيالية والذهنية في عملية بناء المعرفة العلمية .

لقد عارض طوم التجريبيين الذين يردون المعرفة إلى الحواس كما هو الحال مع المؤسس التاريخي للمنهج التجريبي "فرانسيس بيكون" الذي اعتقد أن المعرفة تتأسس على التجربة المادية الحسية التي تعمل على إثرائها بالملاحظات الدقيقة والتجارب العلمية، حيث اعتبر طوم هذا الطرح، بالتصور التقليدي لأنه لا يمكن التحقق التجريبي من كل الفرضيات،فلتفسير الظواهر لا ينبغي على العالم أن يكون حبيس خطوات المنهج التجريبي في صورته الكلاسيكية،بل لا بد للعالم من استثمار عنصر الخيال باعتباره عملية ذهنية ضرورية وأساسية في التجربة،كونه يسهل إجراء التجربة والتأكد منها ذهنيا وليس دائما في الواقع ،لأن هناك الفرضيات لا يمكن للواقع تقديم جواب صحيح عنها ( مفهوم الفراغ في زمن غاليلي ) .

لقد تم الإنتقال من التجربة الحسية إلى التجربة الخيالية خاصة في الفيزياء المعاصرة التي تجاوزت المنهج الكلاسيكي الذي لم يعد بإمكانه مجارات الظواهر العلمية الجديدة بالملاحظة والتجربة،فالإلكترونات والبروتونات والنترونات في الذرة مثلا يصعب رصد حركتها ولا التجريب عليها،لذلك فعند صعوبة الملاحظة العلمية المباشرة لا بد للعالم من الاستعانة بالتجربة الخيالية . 

المحور الثاني : العقلانية العلمية 

مما لا ريب فيه أن أحد أهم العوامل المسؤولة عن القفزة النوعية التي حققتها المجتمعات الغربية في مختلف المجالات والميادين هو ظهور نمط جديد من العقلانية ،يعرف بالعقلانية العلمية التي حلت محل العقلانية اللاهوتية للقرون الوسطى،فما هي الخصائص والمميزات التي اتصفت بها هذه العقلانية ؟ ما هي أسسها ومرتكزاتها ؟ هل الانتماء إلى العقلانية العلمية معناه الايمان بأن العقل وحده هو مصدر المعرفة،أم التجربة هي ذاك المصدر،أم هما معا ؟ وعند حديثنا عن العقل سنتساءل أي عقل نعني : عقل يقيني منغلق على ذاته ومطلق ،أم عقل نسبي منفتح و دائم الرجوع إلى ذاته باستمرار ؟ 

موقف م. أركون : 

 يرى محمد أركون أن العقل البشري سيرورة من التطورات، بدءا من العقل القروسطوي اللاهوتي الذي كان يغلب عليه طابع التفسير الديني، مرورا بالعقل الحديث الكلاسيكي، المرتكز على اليقينيات المطلقة، وصولا إلى العقل النسبي الذي يؤمن بالتقدم والتطور.

إن القرون الوسطى شهدت سيطرة شبه كلية للعقل اللاهوتي / الديني على كل مناحي الحياة في أوربا ،فقد كانت له الكلمة الأولى في المجال الديني ( صكوك الغفران ) والسياسي ( تنصيب وعزل الملوك ) الاقتصادي ( الاستحواذ وتوزيع الإقطاعات )

الفكري ( النشر والمصادرة )...معتمدا في ذلك على آلية أمنية شديدة البطش والمتمثلة في محاكم التفتيش .وبدءا من القرن السادس والسابع عشر أخذ العقل الأوربي يقلع حضاريا،فتم الانتقال إلى العقل الحديث الكلاسيكي الذي راح ينطلق على أسس جديدة ( غير دينية ). عقل أعطى الاستقلالية الذاتية للإنسان الأوربي ليفكر ويبدع بعيدا عن سلطة الكنيسة،عقل أمن للغرب تفوقه على جميع شعوب الأرض من خلال حجم الثورات الانقلابية التي شكلها في تاريخ الفكر ( الثورة الصناعية،الثورات العلمية،الثورة السياسية ،النهضة ،الأنوار ...) .

لكن ما يمكن أن يعاب على هذا العقل رغم كل ما قدمه للحضارة الغربية هو إيمانه الراسخ باليقينيات المطلقة،فهذا ديكارت مثلا أب الفلسفة الحديثة بلا منازع وصاحب الهندسة التحليلية والكوجيطو والشك المنهجي...اعتبر أن الوصول إلى الحقيقة اليقينية لا بد من أن يمر عبر قواعد يقينية ( اليقين،التحليل،التركيب والإحصاء) وكأن العقل عبارة عن آلة ميكانكية محدودة ومنغلقة على ذاتها .

لكن العقلانية العلمية الحقيقية حسب أركون هي العقلانية القائمة على العقل النسبي الدائم الرجوع إلى ذاته باستمرار ،المؤمن بامكانيات العقل المتحرر من كل قيود و قواعد ومقولات،عقل لايتراجع عن بلورة المعرفة والإيمان بامكانية التقدم باستمرار إنه عقل نسبي رافض لليقينيات المطبقة، فلفترة طويلة مع الهندسة الأوقليدية كانت مجموع زوايا المثلت تساوي قائمتين وعدت هذه من الحقائق اليقينية،لكن مع تقدم الرياضيات ظهرت هندسات لاأقليدية ،مع كل من الرياضيين الروسي لوباتشوفسكي و الألماني ريمان، حيث اعتبر الأول أن مجموع زوايا المثلث أقل من º180 بينما برهن الثاني أنها أكثر من ذلك .( مثال الكل والجزء المقدم في الفصل ) .

موقف غاستون باشلار :

إن إدراك مجال إشتغال الفيزياء المعاصرة وبالتالي العلوم المعاصرة اليوم ،هو الوقوف على قيمتها المعرفية والفلسفية الذين لا يأتيان إلا من خلال علاقة جدلية ين العقل والتجربة ،بخلاف التصورات الكلاسيكية الحديثة ( العقل الحديث عند أركون ) التي حاولت إحداث صراع وخصومة معرفية بين العالم العقلاني والعالم التجريبي،بين العالم العقلاني المؤمن بقدرات العقل وبامكانياته بعيدا عن التجربة أي الانغلاق على ذاته ،وبين العالم التجريبي الذي يرى أن المعرفة تبدأ مع التجربة المادية والحسية التي تعمل عل إثرائها بالملاحظات والتجارب العملية المباشرة.

فالعقلانية العلمية المعاصرة حسب باشلار هي ليست وعيا معزولا عن الواقع ولا واقعا مستقلا عن العقل ،فالعلوم المعاصرة تحتاج ليقين مزدوج : 

يقين بوجود الواقع في قبضة ما هو عقلي،فيكون بذلك مستحقا لإسم الواقع العلمي ،ويقين بأن الحجج العقلية المرتبطة بالتجربة،هي من صميم لحظات هذه التجربة .فالعقلانية العلمية المعاصرة عقلانية فلسفية مطبقة ومفتوحة على مادية تجريبية مبنية ومبرهن عليها،فالعالم المعاصر يتموضع إذن في إطار الحوار المفتوح بين العقل والتجربة في بناء المعرفة العلمية.

.

1 إجابة واحدة

0 تصويتات
بواسطة (628ألف نقاط)
 
أفضل إجابة

ملخص النظرية والتجربة 

المحور الثالث : معايير علمية النظريات العلمية     

تعددت الأطروحات واختلف في شأن بناء النظريات العلمية ومدى صلاحيتها ومصداقيتها،فاعتبار النظرية تفسير وتنظيم للواقع ،فإن معيار صدقها وصلاحيتها لن يكون شيئا آخر غير التحقق التجريبي،كما أن استحالة التحقق بشكل كلي من النظريات يجعل صدقها رهين بمدى صمودها أمام التكذيبات التي تطالها،فيكون صدقها رهين بمبدأ القابلية للتكذيب،كما أن اعتبار النظريات العلمية بناء عقلي عليها الاستجابة لمعايير العقل والانسجام المنطقي بين المقدمات والنتائج،سيجعل من مبدأ التماسك الداخلي المعيار الأساسي لصدقها وصلاحيتها،أمام هذا الاختلاف في شأن معايير صلاحية النظريات نطرح الإشكال التالي : ما هي معايير ومقاييس صدق النظريات العلمية وصلاحيتها ؟ 

لقد أفرز التفكير في هذه الإشكالية ثلاث مواقف أساسية : 

الموقف التجريبي : 

يعتقد أنصار هذا الموقف أن المعيار الوحيد لصدق وصلاحية النظريات العلمية هو معيار التحقق التجريبي،فلكي تكون نظرية ما علمية وتتمتع بقدر كبير من الصحة والمصداقية يجب أن يشهد لها الواقع بذلك ،أي ضرورة القيام بالتجربة الحسية التي تؤكد أو تنفي النظرية ( موقف كلود برنار مثلا ) 

موقف كارل بوبر :   

تزعم هذا الموقف الفيلسوف الانجليزي "كارل بوبر K .popper " الذي انتقد المبدأ الأول معتبرا إياه غير قابل للتحقق بشكل كلي وإنما بشكل جزئي فقط: فنحن لا يمكننا التحقق من أن " في كل زمان ومكان الحديد يتمدد " لأننا ببساطة لا يمكننا أن نغطي بملاحظاتنا وتجاربنا كل نقاط الزمان والمكان وإنما بعضها فقط، أي كل ما يمكن التحقق منه في العبارة السالفة هو أن " في الزمان أ والمكان ب الحديد يتمدد ".من هنا فإن صدق وصلاحية النظريات العلمية حسب بوبر لا يقوم على مبدأ التحقق التجريبي ،وإنما يقوم على عدم وجود ما يكذبها إلى الآن،وهو ما يجعل صدقها وصلاحيتها غير نهائيين وغير مطلقين وإنما نسبيين ومؤقتين فقط،لأن عدم وجود ما يكذبها إلى حدود اليوم لا يعني استحالة وجوده في المستقبل .

فمعيار صدق وصلاحية النظريات العلمية عند "كارل بوبر"ليس هو مبدأ التحقق التجريبي،وإنما هو مبدأ القابلية للتكذيب أو التزييف .وهذا يعني أن السبيل الأقوم لفحص صدقها وصلاحيتها ليس هو مواجهتها بما يثبت ذلك،وإنما مواجهتها بما يمكن أن ينفي ذلك،أي لا نواجهها بالوقائع والتجارب التي تتوافق معها وإنما بالوقائع والتجارب التي يمكن أن تبين عبوبها ونواقصها.إن اختبار صدق وصلاحية نظرية علمية هو أشبه باختبار قوة وصلاحية آلة ميكانيكية،فهو في الحالتين معا يتم من خلال ايجاد الظروف التي من المحتمل أن تكشف عن وجود عيوب ونواقص ،وهو ما يدل عليه مفهوم الاختبار عند بوبر حيث يقول :" إن معيار القابلية للتكذيب أو القابلية للتفنيد يمكن أن نطلق عليه معيار القابلية للاختبار، ذلك أن اختبار نظرية ما تماما كاختبار جزء من آلة ميكانيكية،يعني محاولة تبيين العيب فيها " .(2)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لاختبار قوة وصلاحية سيارة جديدة مثلا يجب مواجهتها بظروف قاسية : حرارة مرتفعة جدا مثلا،تعريضها لصدمات اصطناعية...وبهذه الكيفية أيضا يجب اختبار صحة وصدق النظريات العلمية في رأي كارل بوبر

موقف آلبرت انشتاين :    

لقد جاء هذا الموقف نتيجة عدم قدرة المعيارين السالفين على استيعاب كل النظريات العلمية.فرغم الاختلاف الكبير الحاصل بين معيار التحقق التجريبي والقابلية للتكذيب،فهما معا لا يمكن استخدامهما إلا بخصوص النظريات العلمية التي تتحدث عن الواقع الماكروفيزيائي،أي واقع الأجسام الصلبة المحسوسة والملموسة،غير أن الساحة العلمية في الآونة الأخيرة ستنتج كما هائلا من النظريات العلمية التي تتحدث عن واقع آخر،هو الواقع الميكروفيزيائي،أي واقع الإلكترونات،النيترونات والبروتونات.هذا الواقع الجديد يختلف كليا عن الواقع الأول،إنه واقع رياضي وليس محسوس،معقول وليس ملموس،مبني ومبرهن عليه وليس معطى ومسلم به .

أمام هذه الاعتبارات رأى بعض العلماء والابستيمولوجيين مثل " آلبرت انشتاين A.Einstein "،أن صدق وصلاحية هذه النظريات يتوقف فقط على تماسكها الداخلي،أي أن تكون عناصرها من مفاهيم وقوانين مشتقة من بعضها البعض عن طريق استنباط عقلي سليم.فمادام العنصر الخلاق في مثل هذه النظريات ـ كما يقول انشتاين ـ يكمن في الرياضيات وليس في التجربة،فإنه لا يمكن لأي معيار آخر أن يفحص صدقها وصلاحيتها غير الرياضيات نفسها .

انطلاقا مما سبق يتبين بأن هناك معيارين كبيرين لفحص صدق وصلاحية النظريات العلمية ،أولهما معيار الاختبار التجريبي الذي يمكن أن يتخذ إما شكل التحقق وإما شكل التكذيب ،وثانهما معيار التماسك الداخلي الذي يمكنه أن يتخذ إما شكل المنطق أو الرياضيات،واعتماد هذا المعيار أو ذاك يتوقف فقط على طبيعة النظرية المدروسة وطبيعة الواقع الذي تتحدث عنه .

إن الحديث عن النظرية والتجربة،هو في أساسه حديث عن علاقة الصراع والتوتر بين النزعة العقلانية ( النظرية ) والنزعة الواقعية ( التجربة ) حيث أحدث ثورة كبرى ضد التصورات التقليدية التي كرست هذا الصراع والخصام.فالفكر العلمي شهد تطورا ملموسا ولم يعد فيه للتجربة وحدها الدور الأساس المتمثل في التحقق من صحة وصدق النظريات وضمان الدقة والموضوعية في التعامل مع الظواهر الملاحظة ،بل صار للعقل هو الآخر حضوره الواضح والجلي يستعين به العالم في الوقوف على تفاعلات الظاهرة موضوع الدرس،وفق واقع رمزي،رياضي واستنباطي أكثر منه واقع حسي وتجريبي .ولم يعد هناك فصل بين ما هو عقلي وما هو واقعي،فالعلاقة بين البناء النظري والممارسة العملية هي علاقة تكامل وتفاعل،لأن العالم المجرب لا يمكنه الاستغناء عن الاستدلال،والعالم الذي يستدل لا يمكنه الاستغناء عن التجربة 

اسئلة متعلقة

مرحبًا بك إلى موقع باك نت، حيث يمكنك طرح الأسئلة وانتظار الإجابة عليها من المستخدمين الآخرين.
...