خطبة عن الخطوات السبع لإحياء ليلة القدر ملتقى الخطباء كيفية أحياء ليلة القدر
خطبة الجمعة الأخيرة من رمضان 2024 مكتوبة
الإجابة هي
خطبة بعنوان:
الخطوات السبع لإحياء ليلة القدر
الخطبه الاولى
الحمد لله الذي أكرمنا في رمضان بالعشر الأواخر، لنتحرى فيها ليلة القدر بإحياء الليالي وشد المآزر، وأشهد أن لا إله إلا الله المقدر لكل شيء ما يناسبه من المقادر، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي له في كل خير الأوائل والبوادر، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الأكابر، وعلى التابعين لهم بإحسان ما دام في الدنيا من يجتنب النواهي ويمتثل الأوامر.
أما بعد فيا أيها الاخوة المؤمنون؛ أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله وطاعته.
شهر رمضان هو أفضل الشهور، وأفضل عشراته العشر الأواخر؛ لأنها خواتم أعماله، وخير الأعمال خواتمها، وأفضل ليالي العشر الأواخر هي ليلة القدر؛ وفي كل سنة تعاد وتذاع نفس المعلومات عن ليلة القدر وفضلها...
فجل الناس يعلمون: أنها ليله نزل فيها القرآن الكريم على النبيﷺ لأول مرة، يقول الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ}، ويقول سبحانه: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}.
وجل الناس يعلمون: أن «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه»؛ كما في الحديث المتفق عليه.
وجل الناس يعلمون: أنها خير من ألف شهر بإحيائها يكوِّن المسلم لنفسه عمرا كاملا من الطاعة والعبادة، فألف شهر يعادل ثلاثا وثمانين سنة وأربعة أشهر...؛ فرمضان شهر يأتي مرّة في كلّ سنة، لكن فضله خير من ألف سنة.
وجل الناس يعلمون: أن العلماء قد اختلفوا في تحديدها؛ وأن الراجح أنها في الوتر من العشر؛ روى البخاري ومسلم أن النبيﷺ قال: «تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان»؛ فيمكن أن تكون ليلة الواحد والعشرين، أو الثالث والعشرين، أو الخامس والعشرين، أو السابع والعشرين، أو التاسع والعشرين...
وجل الناس يعلمون: أن أرجى الليالي لبلوغها هي ليلة السابع والعشرين؛ لما روى الإمام مسلم أن الصحابي الجليل أُبَيَّ بن كعب رضي الله عنه «...حَلَفَ لا يَسْتَثْنِي أَنّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ»؛ والصحابي لا يحلف إلا على الحق، ولما روى الإمام أحمد عن ابن عمر قال: قال رسول اللهﷺ: «من كان متحريَّها، فليتحرها ليلة سبع وعشرين».
ولكن الذي يغفل عنه كثير من الناس: هو كيف نحيي ليلة القدر؟ وما هي الخطوات(1) التي ينبغي تتبعها لتحصيل فضل ليلة القدر؟ فليلة القدر ليست مجرد ليلة استحمام ندخل إليها كما ندخل إلى الحمام، لنغسل فيها ما وسخنا به أنفسنا من الذنوب، وفي نفس الوقت نكون على استعداد تام للوقوع في نفس الذنوب مرة أخرى؛ فالإنسان تراه قد غرق في المحرمات من الربا والرشوة والزنا والغيبة والكذب وشهادة الزور وظلم العباد، ثم يقول معولا على ليلة القدر: يكفيني إحياء جزء من هده الليلة المباركة ليغفر الله لي هذا الخليط؛ فهذا فهم مخطئ للدين إن لم يكن خاطئا؛ وفي هذه الخطبة أقدم لكم سبع خطوات عملية لتحقيق فضل ليلة القدر لأنفسنا.
إذن -أخي المسلم- هيئ نفسك واستعد لإحياء هذه الليلة المباركة بهذه الخطوات السبع؛ وهي:
● الخطوة الأولى: التوبة النصوح بشروطها الثلاثة: الندم والإقلاع والعزم.
1) الندم على ذنوب مضت؛ أو ما يسمى "تأنيب الضمير" مثلا إنسان ترك الخمر لنصيحة الطبيب الذي قال له: إن الخمر مضر بالصحة، ولم يندم على ما شرب منه فليس بتوبة.
2) الإقلاع من الذنوب في الحال؛ فليس بتائب من يستمر على ممارسة نفس الذنوب التي يردد التوبة منها؛ بل هو في هذه الحالة أقرب إلى النفاق منه إلى التوبة.
3) العزم على عدم العودة إلى هذه الذنوب في المستقبل؛ فمن ندم على ما وقع منه في الماضي، وأقلع في الحال؛ ولكن هو على استعداد للوقوع في نفس الذنوب كلما وجد فرصة لذلك فليس بتائب.
ويزداد شرط رابع إذا كانت الذنوب تتعلق بحقوق العباد وهي رد المظالم ورد الحقوق لأصحابها إذا كان بالإمكان وإلا طلب المسامحة ممن ظلمهم في أموالهم وأغراضهم أو في شرفهم وأعراضهم.
● الخطوة الثانية: بحسن القصد وصدق النية؛ قال النبيﷺ: «إنما الأعمال بالنيات»، وقال الله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين}؛ وهذه الخطوة هي الفيصل الـمِفْصَلي الذي تَعُبُر منها أعمالُنا ما بين ضفتي العبادات والعادات؛ فبها تتحول العادة إلى عبادة أو العكس؛ مثلا: حينما أبدأ الأكل بـ(بسم الله) وأتذكر أن الله تعالى قال: {كُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ مِن رِّزۡقِ ٱللَّهِ} فقد حولتُ أكلي وهو عادة إلى عبادة، وهكذا كل الأمور التي نقوم بها عادة من النوم والركوب واللباس وغيرها؛ ولكن حينما أدخل إلى الصلاة وأنا أفكر في كل شيء إلا الصلاة، وأسجد وأركع دون أن أتذكر أني في عبادة الله تعالى؛ فقد تحولت الصلاة عندي إلى مجرد عادة ألفتُها، وقل مثل ذلك في بقية العبادات.
● الخطوة الثالثة: بتصفية الحسابات وتنقية الأجواء مع كل من وقعتَ معه في الهجر والشحناء والخصام، وذلك برد المظالم أو طلب المسامحة والعفو المتبادل فورا؛ فرارا من الوقوع في التلاحي وهو الخصام والنزاع؛ فقد روى البخاري ومسلم: أن رسول اللهﷺ خرج يخبر بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين (أي: تخاصما) فقالﷺ: «إني خرجت لأخبركم بليلة القدر، وإنه تلاحى فلان وفلان فرفعت، وعسى أن يكون خيرا لكم، التمسوها في السبع والتسع والخمس»؛ ونحن في زمن قد وثر بأحداثه المتسارعة الأعصاب، وحير بوقائعه المتصارعة الألباب؛ هذا خصام بين رجلين حال بين أمة الإسلام، وبين معرفة ليلة القدر من بين الليالي والأيام؛ فكيف بالخصام بين الأسر والعائلات؟! فكيف بالصراعات بين الجمعيات والجماعات؟!
● الخطوة الرابعة: هيئ نفسك للصلاة وقد كان النبيﷺ يقوم ليالي العشر حتى تورمت قدماه؛ لكن ليس بجسدك فقط؛ بل بالقوى الثلاث المكونة لك: الجسد، والعقل، والقلب؛ فالصلاة لها ثلاث مستويات:
• المستوى الأدنى الذي يحققه كل الناس: الصلاة بالجسد؛ قياما وركوعا وسجودا وجلوسا.
• المستوى الأوسط؛ الصلاة بالعقل تدبرا وتفكرا.
• المستوى الأعلى: الصلاة بالقلب خشوعا وخضوعا؛ {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ}، {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}.
● الخطوة الخامسة: هيئ نفسك لتلاوة القرآن الكريم؛ وقد كان النبيﷺ يدارس القرآن مع جبريل في رمضان؛ سواء كانت تلاوة تعبد، أو تلاوة تعلم، أو تلاوة تعبد وتعلم معا؛ ويتحقق لك ذلك إذا كنت تقصد بالقراءة أن تعبد وأن تحفظ أو تحافظ على ما حفظت بـ(الأسوار) أو التعاهد بالمحافظة على الحزب الراتب، أو أن تفهم معاني القرآن الكريم، وكل قراءة لا بد أن يصاحبها التدبر، وأقل التدبر أن تعلم أنك تقرأ كلام الله وإن لم تفهم معناه؛ {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}؛ يقول النبيﷺ: «يقال لصاحب القرآن: اقرأْ وَارْقَ ورَتِّلْ كما كنت تُرتِّل في دار الدنيا؛ فإن منزلك عند آخر آية تقرأها».
● الخطوة السادسة: أكثر فيها من الصلاة والسلام على الرسولﷺ فإن من صلى عليه واحدة صلى الله عليه عشرا؛ ليخرجك الله بها من الظلمات إلى النور؛ ألم يقل الرسولﷺ فيما روى الإمام مسلم: «مَنْ صلى علىَّ صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشرًا»؟ وصلاة الله عز وجل على المسلم بها يخرجه الله تعالى من الظلمات إلى النور، قال الله تعالى في كتابه الكريم: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا}.
فما أحوجنا إلى نور رباني نبصر به الطريق المستقيم، نور ينتشلنا من هذه الظلمات المتراكمة، ويخرجنا من ضيق سبل الشهوة والشيطان، إلى سعة طريق الرحمن، ومن ظلمات الجهل إلى نور اليقين، ومن ظلمات الفسق والمجون إلى نور الطاعة والإيمان، ومن ظلمات الظلم إلى نور العدل، ومن ظلمات الوساوس وسوء الظنون إلى نور السكينة والطمأنينة والاطمئنان، ومن أجواء نفسية متعبة مغبرة، إلى أجواء مريحة منفتحة مخضرة!
● الخطوة السابعة: أكثر فيها من الدعاء، واعلم ان استجابة الدعاء مشروط بأمرين أساسين هما: أن يكون عملك طاهرا؛ لقول النبيﷺ «أطب مطعمك تكن مستجاب الدعاء»، وأن يكون قلبك حاضرا؛ لقول النبيﷺ «إن الله لا يستجيب الدعاء من قلب لاه غافل»؛ فطهر عملك بالحلال، وحضر قلبك بالجلال، ويستحب أن يكون الدعاء عاما؛ فإن الدعاء مهما كان أعم كان أقرب إلى الإجابة (اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا)؛ فأسأل العفو لنفسك، ثم لأسرتك الصغيرة أهلك وأولادك، ثم لأسرتك المتوسطة بلدك ووطنك وسلطانك بدوام الأمن والأمان، واستمرار الاستقرار والازدهار، ثم لأسرتك الكبيرة هذه الأمة التي نال منها التلاحي والتخاصم فشتت شملها وفتت وحدتها وسلب منه قدسها ولوث قداستها.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين والحمد لله رب العالمين
الحمد لله رب العالمين…
أما بعد؛ فيا أيها الإخوة المؤمنون؛ كثير من الناس حين يدخل رمضان في العشر الأواخر يقولون: ها هو رمضان قد انقضى، قد فات جله ومضى، فيتكاسلون عن العمل، ويتقاعسون عن تحقيق الآمال؛ بينما رسول اللهﷺ على العكس من ذلك؛ فقد روى الإمام مسلم عن عائشة -رضي الله عنها-: «أن النبيﷺ كان يجتهد في العشر الاواخر ما لا يجتهد في غيره»؛ وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: قالت: «كان النبيﷺ إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله»، وروى أبو داود والنسائي عن أبي ذَرّ قال بأن النبيﷺ في العشر الأواخر: «...جمع أهله ونساءه والناس فقام بنا حتى خشِينا أن يَفُوتَنَا الفلاح. قيل: وما الفلاح؟ قال: السحور...».
ألا فاتقوا الله عباد الله وأكثروا من الصلاة والسلام على رسول اللهﷺ…
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- الخُطْوة بالضم: ما بين القدمين، والخَطْوة بالفتح: المرة الواحدة؛ فكلاهما صواب.