0 تصويتات
في تصنيف مقالات ونصوص فلسفية باك 2024 بواسطة (628ألف نقاط)

مقالة حول العولمة شعبة الآداب وفلسفة ولغات أجنبية

هل العولمة كلها فرص أم مخاطر

شعبة الآداب وفلسفة ولغات أجنبية.

الموضوع: العولمة

نص السؤال: هل العولمة كلها فرص أم مخاطر؟ كيف يمكننا تصور بقاء الأمم بثقافاتها المتنوعة وإثبات الذات أمام تحديات العولمة التي تقرر مرجعيات المستقبل؟

بكالوريا 2022 2023 bac الجزائر 

أهلاً بكم طلاب وطالبات الباك 2023 في موقعنا باك نت .baknit.net الموقع التعليمي المتميز والمتفوق بمنهجية موضوع النص الفلسفي الجدلية والمقارنة والاستقصاء بالوضع كما نقدم لكم بقلم أستاذ الفلسفة الاجابة الصحيحة لجميع دروس والمقالات الفلسفية المتوقعة والمقترحة في باك جميع الشعب الفلسفية كما نقدم لكم الأن أعزائي الطلاب والطالبات مقالة مختصرة وهي إجابة السؤال .... تحليل نص حول العولمة، هل العولمة كلها فرص أم مخاطر

وتكون اجابتة الصحية هي التالي

هل العولمة كلها فرص أم مخاطر

لقد أصبحت العولمة فيما يبدو أكثر وضوحا، أصبحت حقائقها وتجلياتها ومظاهرها بارزة على أثر التحولات والتطورات العلمية والفكرية والاقتصادية والحياتية المتدفقة والتي يعيشها العالم حاليا. وتأتي في مقدمة هذه الحقائق أن العولمة هي لحظة حضارية جديدة، ولحظة تاريخية فاصلة، وهي لحظة مليئة أيضا بكل الاحتمالات. فالعولمة ظاهرة موضوعية، لا يمكن لأي أن ينكر وجودها، إنها ظاهرة قائمة فعلا. والتساؤل الجوهري في موضوعنا، هو كيف ينبغي التعامل مع العولمة كفكرة وإيديولوجيا وكواقع حياتي وحضاري فرض نفسه على الجميع؟ لقد اختلفت الآراء والتصورات وتضاربت النظريات حول حقيقة العولمة، فهناك من يأخذ بها ويتهافت عليها، وهناك من يرفضها جملة وتفصيلا، وهناك من يقف منها موقفا وسطا. فما حقيقة الأمر؟ هل العولمة كلها فرص أم كلها مخاطر؟ وهل يمكن القول بفرص العولمة دون مخاطرها أم بمخاطر العولمة دون فرصها؟ وما هو المطلوب، فهم العولمة أم افتعال المعارك معها؟ وكيف يمكننا تصور بقاء الأمم بثقافاتها المتنوعة، وإثبات الذات، أمام تحديات العولمة التي تقرر مرجعيات المستقبل؟

يرحب أنصار العولمة بفرص العولمة المعرفية والاستثمارية، ويدعون بالتالي إلى الانغماس فيها للاستفادة منها ومن معطياتها. يقول "جي. آر. مندل" في كتابه (العولمة والفقراء): "يوجد داخل العولمة فسحة كافية لسياسات التحسين، وعلى الذين ينادون بالعدالة الاجتماعية أن يتقدموا لأن أمامهم عمل كبير هو وضع العولمة بالقالب المناسب". وبالنسبة لأقطاب العولمة الفاعلون وأنصارها فهم رجال أعمال الاقتصاد الأمريكي، ونخبة من البنكيين، وخاصة الدول الخمس العظمى من مصرفيين وأرباب شركات عالمية. ويؤسس هؤلاء موقفهم على جملة من البراهين نلخصها فيما يلي:

*تحقيق الثراء وتحسين مصير الفقراء من الدول والأفراد، عن طريق صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية والشركات الصناعية والمصرفية والخدماتية العالمية. وذلك لأن الاستثمار والتجارة والخدمات هي العلاج العالمي المناسب والكفيل بتقديم الوصفة الصحيحة للأمراض الاجتماعية. مع زيادة الرفاهية والنمو الاقتصادي، حيث تستفيد الشعوب الفقيرة والمتخلفة منها، من تدفق السلع والبضائع. ثم إن العولمة هي مصدر كل الاستثمارات الخارجية التي جلبت وتجلب النمو الاقتصادي السريع والانفتاح التجاري. بالإضافة إلى تعميم وسائل الاتصال وشمولية الاستقلال الفعلي فلا شك أن الفرد اليوم جزء من المنظومة العالمية للاتصال والمواصلات تجعله في ارتباط مع مراسله الموجود في أية نقطة من العالم. بفضل شبكة الأقمار الصناعية. كما أن التطور المثير في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والابتكارات، أصبح قادرا على معالجة المعلومات وتخزينها واسترجاعها. أصبح يستعمل كل ذلك في مجال التربية والصحة والسكن والأمن والعدالة والثقافة. دون أن ننسى إيجابيات الاحتكاك، والانتشار الثقافي الناتج عن نقل ثقافة المجتمع الحديث إلى المجتمع التقليدي، مع نقل التكنولوجيا إلى داخل البنى التقليدية والذي من شأنه أن ينقل المجتمع الأخير إلى مرحلة العصرنة، واستكمال المعارك الكبرى الجارية من أجل إثبات قدسية الحريات والحقوق الأساسية للإنسان والتنديد بالمساس بها. فالمجتمع العالمي يظهر اهتماما متزايدا بقضية حقوق الإنسان. لأن الإنسان في دول عديدة يعاني من الاضطهاد والظلم والقهر. وما زال مسلوب الإرادة والكرامة، في ظل أنظمة قمعية سلطوية تمارس درجات عالية من القمع. لذلك بدأ الضمير الإنساني في ظل العولمة يستيقظ لهذه الممارسات، ونشطت منظمات حقوق الإنسان العالمية للكشف عنها، وممارسة الضغط المعنوي على الدول للالتزام بمبادئ حقوق الإنسان الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

زيادة على ذلك فالدول اليوم أصبحت تشكو من تفاقم مشكلات البيئة والإرهاب والجريمة والمخدرات والفقر والأزمات الاقتصادية والمشكلات الاجتماعية، وتؤكد أنها لا تملك الحلول. كل هذه المشاكل وغيرها كثير، تتطلب تشريعات وسياسات ومؤسسات عالمية وتنسيقا وتعاونا عالميا، وهو ما تقترحه العولمة. التي تسعى إلى قيام مجتمع عالمي هو القرية الكونية أو القرية الشاملة حيث تلغى كل الحدود وكل تمييز، وطنيا كان أو قوميا أو دينيا أو ثقافيا. وهي بذلك تؤسس لرؤية كونية واحدة هي محصلة للتفاعل الحر والخلاق بين كل الشعوب، في إطار الاحترام والتعايش المتبادل من أجل تفادي اندلاع صراع الحضارات.

لكن ورغم ما قدمه أقطاب العولمة الفاعلين وأنصارها من أدلة وحجج ومبررات. إلا أنهم تعرضوا لانتقادات كثيرة أهمها: أن العولمة إيديولوجية مؤسسة على مجرد اقتصاد السوق العالمية وباسم العالمية، تبدو ضيقة، لأنها أحادية الأبعاد لا تقوى على التوفيق بين مختلف الأبعاد الأساسية التي يتميز بها الكائن البشري، بما فيها البعد المادي التي تنشده.ثم إن التبادل الحر يفيد بوجه التحديد، الأقوياء ويسحق الضعفاء، كما تؤكده الوضعية المزرية التي آل إليها عدد من دول إفريقيا وأمريكا اللاتينية التي انساقت وراء هذه الخرافة الإيديولوجية اضطرارا أو طواعية. فحرية التبادل كما يريدها عمالقة السوق لا يجني منها الفقراء إلا الشقاء، وإلا فكيف ينمي هؤلاء العمالقة ثروتهم ويوسعون سيطرتهم، إن لم يكن على حساب هؤلاء الضعفاء؟

وأمام هذه العاطفة الشريفة التي تملأ ضمير الإنسان في تدبير شؤونه، لم يعد لبناء مجتمع متجانس معنى إلا إذا تحقق في جو من العدل والاحترام والتسامح. وهذا لا يدخل إطلاقا في حسبان الليبرالية الشرسة. حتى وإن كانت تدعي ذلك وتنصب نفسها وصية على حماية حرية الإنسان وحقوقه المختلفة. فالهدم في فلسفة العولمة لا يعني إلا الهدم، ما دام لم يتجه نحو الإصلاح والتهذيب أو الثورة على الظلم والهوان. وإذا كان هناك من يردد بعض المقولات حول إيجابيات الاحتكاك، والانتشار الثقافي، فإننا نقول: أن التبادل الثقافي غير المتكافئ اختراق وغزو للثقافات الأدنى التي تفقد تدريجيا مقومات استمرارها، وبذلك تتفكك وتنهار.

و في المقابل يبدي خصوم العولمة تخوفا من مخاطر العولمة الكثيرة، ويرفضون دلالاتها الاستغلالية ومضامينها الاستهلاكية، ويدعون للانكماش وتنشيط الحركة الاحتجاجية ومناهضة العولمة باسم الحقوق الاجتماعية: ويؤسس هؤلاء موقفهم على جملة من البراهين أهمها:

*أكاذيب العولمة: يعرض "هارولد كليمانطا" في كتابه (أكاذيب العولمة العشر) مخاطر العولمة، أهمها: "أن العولمة تنفلت من المراقبة. فهي لم تسقط من السماء كقضاء محتوم، إنها مقصودة وتتحكم فيها قيادة المنظمات الدولية، كصندوق النقد الدولي والمنظمة العالمية للتجارة". ويقول عن الأكذوبة العاشرة: "إن العولمة تجلب التنوع في جميع أنحاء العالم، في حين...أن الليبيرالية الجديدة تعرض على أنها الاختيار السياسي الوحيد...".ومن بين المواقف المناهضة للعولمة كذلك موقف الحركة الحماتية. ومما أثاره هؤلاء الإحتجاجيون قضايا: الشغل، الفقر، الخدمات العمومية، الديون المقترضة، والثقافة وما يتبعها من قضايا الهوية، القومية، التنوع الثقافي، وعالمية الثقافة. فالعولمة الرأسمالية لا تحمي الشغل بل تحاربه، و محاربة الشغل معناه تفشي الفقر. وهذا يتنافى مع فلسفة التنمية التي تنشدها العولمة. وإدراكا منها لخطورة هذه الآفة وما ينجم عنها من أزمات إنسانية اعترفت الأمم المتحدة صراحة – في منتصف التسعينات – بأن "الفقر والحرمان الاجتماعي يمسان كرامة الإنسان، ولذلك فالأمر يتطلب اتخاذ التدابير اللازمة لوضع حد لهما". بالإضافة إلى أنها تحارب بلغة السوق الليبيرالية، حقوق المواطنة الأساسية والخدمات العمومية وخاصة منها، خدمات الصحة والتربية. ومن هنا فإن نسبة كبيرة من الفساد المنتشر في دول العالم الثالث، هي من صنع آليات العولمة من شركات متعددة الجنسيات، التي تغرقها بالديون وفوائد الديون، فيكون المجتمع في خدمة الاقتصاد بدلا من أن يكون العكس.

 كما أن العولمة الاقتصادية تؤدي إلى توسيع الفجوة بين دول الشمال ودول الجنوب، فهي تدفع الدول مرغمة نحو نظام الاقتصاد الحر، والخصخصة والاندماج في النظام الرأسمالي بكل سلبياته الاستغلالية والاحتكارية، التي تزيد من غنى الدول الغنية وتضاعف من فقر الدول الفقيرة. فمن الناحية الاجتماعية – الاقتصادية، اتسعت الهوة بين الفقراء والأغنياء بصورة مفزعة. ثم إن العولمة تروج لثقافة الاستهلاك، لأنها تحول العالم إلى عالم يهتم بالاقتصاد وما يلازمه من علاقات تجارية مالية ومادية أكثر من اهتمامه بأي أمر حياتي آخر، بما في ذلك الأخلاق والقيم الإنسانية التي تتراجع تدريجيا، وتستبدل بالعلاقات السلعية والربحية النفعية. يقول "سيرج لاتوش": "إن العولمة التكنو-اقتصادية تؤدي بطريقة شبه آلية إلى أزمة أخلاقية". وأدت العولمة أيضا على المستوى السياسي إلى انحسار نسبي للسيادة المطلقة وأن الدولة فقدت دورها وأهميتها. لقد غدت الدولة على حد تعبير "ريتشارد فولك" مجرد وحدة ضمن شبكة من العلاقات والوحدات الكثيرة في عالم يزداد انكماشا وترابطا. لم تعد الدولة هي مركز السيادة في مجال صنع القرارات وصوغ الخيارات. وفي مجال العولمة الثقافية يدور نقاش حاد حول عولمة الثقافة، وتبرز تيارات كثيرة تصل إلى حدود متطرفة في الرفض. ومعنى ذلك، أن هناك ثقافة تجعل من نفسها مركزا – الثقافة الغربية- وبقية الثقافات هوامش أو أفلاك تدور حول هذا المركز، وتحكم على تطور أو تخلف أي ثقافة أخرى بمقدار قربها أو تماثلها مع الثقافة المركزية. وتحاول الثقافات الأخرى أن تبلغ مستوى هذه الثقافة المركزية من خلال التقليد والانغماس أو تبني مظاهر الثقافة الغربية دون مقاومة، وهنا مكمن الخطر. وبالتالي فهاجس الهوية يصبح مشروعا والقلق مبررا في ظل تسارع التحولات التي يعيشها العالم الذي تحول فعليا إلى قرية كونية صغيرة، مع تقارب وتهاوي الحدود بسبب التطور التكنولوجي الهائل، وتنقل رؤوس الأموال وهجرة العمالة، بالإضافة إلى تعميم قيم ومبادئ ومفاهيم أخلاقية وسياسية...إلخ، ثم انتشار أنماط في السلوك والمظهر ذات مصادر غربية ومرجعيات أمريكية.

يتبع في الأسفل 

1 إجابة واحدة

0 تصويتات
بواسطة (628ألف نقاط)
 
أفضل إجابة

مقالة العولمة 

إذن فحالات التبادل الثقافي غير المتكافئ (الاختراق أو الغزو) يعرض الثقافات الهامشية أو التقليدية إلى أن تفقد تدريجيا مقومات بقائها وبذلك تتفكك الشخصية الوطنية وتنهار وهو ما يؤكده "فريمون" في كتابه (تلاقي الثقافات والعلاقات الدولية). إن الثقافات الأضعف لا تجد أمامها إلا التفكك والانهيار وهو ما يولد إشكالية على صعيد الهوية، والذات الثقافية، و نمط الحياة الاجتماعية. إن اكتساح ثقافة العولمة أو الأمركة لنمط الحياة لدى المجتمعات التقليدية والنامية أدى إلى تراجع دور العملية الثقافية –الاجتماعية تلك العملية التي كانت الأكثر أصالة وتأثيرا في تطور وإدارة هذه المجتمعات. وذلك بسبب الاختراق الكاسح للعمليات الاقتصادية والإعلامية والثقافية. لقد بات واضحا أن الاختراق الثقافي الأمريكي يعمل على تهديم منظومة القيم الأصيلة، ويشكل نوعا من الازدواجية الثقافية التي تجتمع فيها تناقضات الأصالة والمعاصرة مما يؤدي إلى تغيير جذري لملامح الثقافة الوطنية. ولعل تجليات العولمة الثقافية هي الأخطر على دول العالم أقل تطورا، والأمم الأكثر تخلفا، لأن تدفق المعلومات والأفكار والقيم والموضات من خلال التلفزيونات وشبكة الانترنيت يعرض التراث القومي إلى الخطر، وذلك بإفراغه من انتماءاته وأصالته وثقافته وأنظمته الاجتماعية، والترويج لمغريات الثقافة الأمريكية بأنماطها الاجتماعية والأخلاقية في التفكير واللباس والأكل والترفيه، وفتح أبواب الإباحية التي تؤدي إلى هدم الأسر، وإطلاق الحرية الجنسية، وإقرار الشذوذ، وشل السلطة الأبوية والسلطة الروحية، وبالتالي تهميش أو نفي الهوية الوطنية. إن العولمة إذن تتجه نحو الهيمنة الثقافية لثقافة واحدة – أمركة الثقافة – على سائر الثقافات، ونشر الثقافة الاستهلاكية، إنها تحمل دائما في طياتها نوعا من الغزو الثقافي على حد تعبير " جلال أمين".

لكن و رغم ما قدمه خصوم العولمة إلا أنهم هم كذلك لم يسلموا من الانتقادات لعل أهمها: لا ينبغي لحركة مناهضة العولمة أن يخطر ببالها أن في الإمكان إيقاف حركة التاريخ أو دفعها للوراء، فلا يمكن أن يكون مجديا مواجهة العولمة، بالانعزال وإدارة الظهر لما تقترحه من فرص وإمكانيات. والطريف هنا أن تلك النزعة الاعتزالية ليست محصورة في البلدان النامية، فحتى في أمريكا ذاتها يوجد تيار اقتصادي يرى أن التجارة مع البلدان الفقيرة سوف تؤدي إلى خسارة الأمريكيين للمكتسبات التي ناضلوا من أجلها فيما يخص أجور العمال وظروف العمل. وفي الحقيقة فإن مثل تلك الدعوات لن تستطيع الصمود أمام تيار العولمة الجارف لا داخل البلدان الفقيرة ولا داخل أمريكا ذاتها. كما يخلط المناهضون للعولمة بين العولمة ومظاهرها ويدمجون بين العولمة والأمركة (الولايات المتحدة الأمريكية)، ونتيجة لذلك فقد عمد هؤلاء إلى رفض العولمة باعتبار أنها غزو اقتصادي يستهدف الاستيلاء على اقتصاديات الدول والسيطرة على ثروات الشعوب. وتهدد العولمة في نظرهم كيانات الدول الصغيرة، فضلا عن أنها غزو ثقافي يهدد الثقافات المحلية في كل مكان. إن أغلب هذه الآراء لا يقدمها أصحابها على أساس علمي ومن ثمة صارت وجهات نظر هي أقرب إلى الشائعات وآراء أدنى إلى الانطباعات. بالإضافة إلى انه لا يمكن إنكار الأثر الثوري للعولمة. حيث يتم اليوم اختراق أكثر المجتمعات استعصاء على التغيير، وتسلط الأضواء على البنى الاجتماعية القديمة الهشة والأفكار البالية، وتفتح الحدود التي حرصت أنظمة العالم المتخلف على غلقها، ومع ازدياد التبادل التجاري وثورة الاتصالات، يزداد تبادل الأفكار وتنمحي الفروق القومية. وتنبثق تدريجيا هوية عالمية يزيدها التنوع غنى ورفاهية، بدل أن يكون أساسا للتعصب والتطرف والأحقاد والحروب. كما أنه لا يمكن رفض العولمة بدعوى تبرير الخصوصية الثقافية والمحافظة على الهوية. لأن مبرر الخصوصية يعطي بعض الأنظمة الاستبدادية في الدول النامية بخاصة مجال أوسع للتلاعب بالحقوق الأساسية للإنسان. ومبرر المحافظة على الهوية أو الولاء العاطفي للهوية ينشأ عنه الصراع بين الذوات الحضارية أو صدام الحضارات على حد تعبير "صموئيل هنتنجتون". وعليه لابد من تحرير الأفراد من الولاء الأعمى لثقافتهم وتنشئتهم على ثقافة التعايش والتسامح في المعاملة مع الآخر، وإمكانية الاستفادة منه وإفادته وعدم إقصائه ونفيه.

يمكننا القول إذن أن العولمة تميل إلى تشكيل ثقافة عالمية لها خصائص مشتركة وليس بالضرورة أن يسيطر عليها مركز واحد، فقد تنهض الثقافات غير الغربية دون أن تدخل في صراع مع الحضارة الغربية –الأمريكية، أي أن تكون العلاقة تكاملية وجدلية تتبادل التأثير والتأثر خصوصا حين تتسابق الثقافات نحو الارتقاء بالجوانب الأخلاقية للشخصية الإنسانية. وعلى ضوء ذلك يمكننا القول أن الصواب في اعتقادنا الخاص لا يكمن في النظر إلى المشكلة من زاوية ضيقة، أي من زاوية التفاؤل أو التشاؤم أو (مع) أو (ضد) وإنما يجب أن نضع مشكلة التعامل مع العولمة في الإطار الواقعي الصحيح. فالعولمة أمر واقع، لا بد من الاعتراف بوجوده وبأن العالم يسير في اتجاه العولمة. ففي عالم اليوم لا توجد مناطق معزولة وبعيدة عن تأثيرات الآخر الآتية من خارج الهوية الثقافية للأمة. وفي نفس الآن لا بد من وعي واقع الأمة المتخلف، لان ثمة مكمن الداء، ومنبع الشعور بالقلق الموضوعي، وكذا الشعور العميق بالمخاطر الكثيرة، ومن كل ذلك تتولد الثقة في وجود إمكانية الخروج من الأزمة الحضارية والتصدي للأسباب التي أوجدتها. إن المشكلة الحقيقية إذن، لا تكمن في العولمة بقدر ما تكمن في أنفسنا، فالعولمة تؤثر سلبا وتجد مكانة وانتشارا ورسوخا أكثر من الضعف الداخلي. وهو ما يعني أن العامل الذاتي هو الحاسم دائما مهما كانت قوة العوامل الموضوعية التي تفرضها العولمة. وعليه، قد يكون السؤال ليس كيف نقاوم العولمة ونحمي أنفسنا منها. ولكن كيف نعيش عالمنا الراهن بواقعية، مع المحافظة على الذات الحضارية والإقرار بالتنوع الثقافي؟

وهنا يجب التطرق لشروط التعامل مع العولمة، فالتعامل معها كظاهرة يفرض علينا تبني إستراتيجية ثقافية قادرة على مواجهة فاعلة وتجاوز التشتت الثقافي والتواصل الحضاري بين الأنا والآخر، في ظل التمسك بالذاتية الثقافية والهوية الحضارية، وفي إطار التفاعل مع الثقافات والحضارات الأخرى، مع الإقرار بالتنوع الثقافي والتعدد الحضاري، وحماية التراث المادي وغير المادي لجميع الشعوب التي يتعرض تراثها الثقافي والحضاري لمحاولات التشويه والتزوير والطمس والتدمير والمصادرة، واحترام البيئة وحمايتها، ونشر ثقافة العدل والسلام والتسامح...تعد هذه العوامل وأخرى، عوامل أساسية من عوامل التنمية والفهم المتبادل والتعايش السلمي بين الحضارات والسير نحو التقدم الاقتصادي والاجتماعي، ومن الشروط الأساسية أيضا للتعامل مع العولمة والتفاعل مع فرصها المتاحة. وعلى هذا فإننا نرى أن التنوع على مستوى المجموعات البشرية قاطبة لا يعني المزيد من التشتت والتدهور، وإنما نعد هذا التنوع ثروة حقيقية تغني البشرية بالمزيد من الخيارات واتجاهات المستقبل، وإن من الخطأ المدمر التعامل مع تنوع الثقافات من منطق الإلغاء والنفي كما عملت الثقافات الغربية مع بقية ثقافات العالم.

وعليه، فلا معنى لأمة من الأمم أرادت أن تبقى خارج التاريخ، لان استمرارها موقوف على الطاقة الداخلية أو الباطنية التي يتمتع بها أهلها في دفع المستوى الحضاري إلى درجة أعلى وأعمق للتقرب من العالمية المطلقة. إذن فالتعامل مع العولمة والتعايش معها والمشاركة فيها أصبح أكثر من ضرورة.

خاتمة حول العولمة 

ختاما ومما سبق، يبقى على الكثير من الأمم المتخلفة أن تعيد النظر في مسلماتها الثقافية والتربوية والاقتصادية والسياسية، انطلاقا من الحقائق الراهنة للعالم، لا بقصد التكيف معها فحسب، وإنما أيضا بقصد المشاركة في إنتاجها حتى تكون أكثر تعبيرا عما تريد أن تكون عليه من ناحية، وحتى لا تنساق إلى الانزواء والتهميش من ناحية أخرى، وهذا يفرض علينا كأمم متخلفة وضع إستراتيجية ثقافية مناسبة.

بواسطة (628ألف نقاط)
شعبة الآداب وفلسفة ولغات أجنبية.

الموضوع: العولمة

نص السؤال: هل العولمة كلها فرص أم مخاطر؟ كيف يمكننا تصور بقاء الأمم بثقافاتها المتنوعة وإثبات الذات أمام تحديات العولمة التي تقرر مرجعيات المستقبل
بواسطة (628ألف نقاط)
تحليل نص حول العولمة، هل العولمة كلها فرص أم مخاطر

اسئلة متعلقة

مرحبًا بك إلى موقع باك نت، حيث يمكنك طرح الأسئلة وانتظار الإجابة عليها من المستخدمين الآخرين.
...