0 تصويتات
في تصنيف مقالات ونصوص فلسفية باك 2024 بواسطة

هل الذاكرة ذات طبيعة مادية أم نفسية

باك 2022 2023 

مقالة فلسفية مختصرة 

تحليل نص السؤال الذي يقول هل الذاكرة ذات طبيعة مادية أم نفسية

أهلاً بكم طلابنا الاعزاء في موقع باك نت يسرنا بزيارتكم أن نقدم لكم حل السؤال الذي يقول هل الذاكرة ذات طبيعة مادية أم نفسية

الإجابة هي كالتالي 

هل الذاكرة ذات طبيعة مادية بيولوجية أم نفسية بسيكولوجية

هل الذاكرة ذات طبيعة مادية أم نفسية

طرح المشكلة :مقدمة 

الإنسان بطبعه كائن فضولي يسعى إلى معرفة العالم الخارجي وكشف غموضه ، ولا يتأتى له ذلك إلا عن طريق مجموعة من الوسائل أهمها الذاكرة والخيال ، فالذاكرة من حيث مفهومها هي قدرة الإنسان على إستحضار الماضي وتذكره كما حدث في زمانه ومكانه ، ولكن موضوع طبيعة الذاكرة طرح جدلا واسعا بين الفلاسفة والمفكرين وعلماء النفس ، حيث ذهب البعض الآخر إلى إعتبار الذاكرة ذو طبيعة مادية ، بينما ذهب البعض الآخر إلى اعتبارها ذو طبيعية نفسية ، وبين هذا وذاك وجب طرح التساؤل التالي : هل الذاكرة من حيث ماهيتها مادية بيولوجية أم نفسية بسيكولوجية ؟

محاولة حل المشكلة :

الموقف الأول : يرى العديد من الفلاسفة والمفكرين وعلى رأسهم " ديكارت ، ريبو ، تين ، إبن سينا " أن الذاكرة ذات طبيعة مادية ، حيث إعتبر " ديكارت " أن الذاكرة وظيفة مرتبطة بالدماغ ، والدماغ مرتبط بالجسد والجسد ذو طبيعة مادية بيولوجية ، بالتالي فالذاكرة مادية مشابهة للجسم ، وهذا ما أكده ديكارت في قوله : « الذاكرة تكمن في ثنايا الجسم » ، والدليل الذي إستند عليه هؤلاء يكمن في أن أي تلف يصيب خلايا الجهاز العصبي المسؤولة عن تخزين الذكريات ، ينتج عنه ضرورة فقدان التذكر كما يتجلى في أمراض الذاكرة مثل : الحبسة الحركية المصاحبة للإصابات التي تمس منطقة البروكا المسؤولة عن حفظ الذكريات ، كما أن حدوث نزيف في الفص الجداري الأيمن يحدث فقدانا للمعرفة الحسية ( اللمس ) ، وفي نفس هذا الطرح يرى " ريبو " أن الذاكرة مرتبطة بالجهاز العصبي عموما والدماغ خصوصا ، بمعنى أن الذكريات تخزن في خلايا القشرة الدماغية ويتم إسترجاعها كلما كان تنبيه أو أثر مماثل ، كما أن هنالك حوالي ستمائة مليون مليون خلية تقوم بتسجيل وتخزين ذكريات معينة ، وهذه الذكريات تترك آثارا مادية على الدماغ ، وبهذا المعنى تصبح الذاكرة مجرد أسطوانة تسجل الصور الفوتوغرافية والأغاني ، كما أن التخزين الآلي للذكريات يكون عن طريق التكرار ، وهذا لأن ترسيخ الحوادث والمعلومات لا يتم إلا إذا تكررت مرات عديدة ، وبالتالي فنحن ننسى الذكريات الحديثة قبل القديمة ، وهذا ما أكده في قوله : « إن الذكريات الراسخة هي التي إستفادت من تكرار 

طويل » ، فالذكريات تسترجع عندما يكون هناك أثر مماثل مثل : الكلمة ، الصورة ، التاريخ ...الخ ، أي أن الإدراكات المماثلة تفيق الذكريات القديمة ، كما أكد ريبو في كتابه ( أمراض الذاكرة ) أننا نفتقد ذكرياتنا إذا كان هناك تخريب أو تلف في الخلايا الدماغية ، فحدوث إصابة في الدماغ يؤدي إلى فقدان كلي أو جزئي للذكريات ، فإصابة منطقة البروكا ( التلفيف الثالث من الجهة الشمالية ) يولد مرض الحبسة الحركية وتعني عدم القدرة على النطق ، وحدوث نزيف في الفص الجداري الأيمن يؤدي إلى فقدان المعرفة الحسية ( حاسة اللمس ) من الجهة اليسرى ، وبالتالي حسب ريبو أن الذاكرة ذات طبيعة مادية يمكن تحديد آلياتها ومكان نشاطها ، فعملية تثبيت الذكريات وإسترجاعها مرتبط بأجهزة عضوية بيولوجية موجودة على مستوى الدماغ ، يقول ريبو : « إن الذاكرة ظاهرة بيولوجية بالماهية وسيكولوجية بالعرض » ، وهنا تبدو الذكريات كما لو كانت موضوعة في منطقة خاصة بالدماغ ، وبما أن الماهية هي المعبر الحقيقي عن الشيء فإن الذاكرة في حقيقتها بيولوجية ، بينما الطبيعة النفسية خاصية ثانوية وعرضية فقط ، ويفسر " تين " هذه العملية في قوله : « المخ وعاء يستقبل ويخزن مختلف أنواع

 الذكريات » ، وقد حدد إبن سينا منطقة تخزين الذكريات في التجويف الأخير في الدماغ ، حيث يقول في هذا المنوال : « الذاكرة قوة محلها التجويف الأخير من الدماغ » .

نقد وتقييم : 

لا يمكن إنكار طرح هؤلاء في إعتبار أن الذاكرة ذات طبيعة مادية ، ولكن لا يمكن إعتبارها بأنها مادية بيولوجية بحتتة ، فلو كانت الذاكرة مرتبطة فقط بسلامة الدماغ والأجهزة العصبية فكيف نفسر فقدان الكثير من الأفراد لأغلب ذكرياتهم رغم سلامة جهازهم العصبي وخلاياهم الدماغية كما يحدث في الصدمات النفسية ؟ . أما من الناحية المنطقية كيف للذكرى من حيث أنها معنوية أن تخزن في ما هو مادي ؟ . فلا يمكن ربط الذاكرة بالجوانب البيولوجية والمادية وحدها ، ولو سلمنا مع ريبو أن فقدان الذاكرة راجع إلى إصابة في الدماغ ، هنا المفروض أن الذكريات المفقودة لا تعود نهائيا لكن بعض الحالات تؤكد إسترجاع بعض الأفراد للذاكرة بعدما فقدوها ! . وهذا فيه إبطال لطرح ريبو ، ومن هنا ظهر إتجاه آخر يرى أنصاره أن الذاكرة ذات طبيعة نفسية ؟

الموقف الثاني :

من جهة أخرى يرى العديد من الفلاسفة والمفكرين وعلى رأسهم " هنري برغسون " أن الذاكرة ذات طبيعة نفسية بسيكولوجية ، وبالتالي فالذاكرة ترجع إلى خصائص شعورية ، فهي عملية نفسية واعية قوامها الشعور ، وقد عرفها " أندري لالاند " على أنها 

إعادة بناء حالة شعورية ماضية ثم التعرف عليها من حيث هي كذلك » ، هذا بحيث لا نعيد هنا الذكريات بصورة آلية لأن مجال التخزين هو النفس والآثار التي تتركها معنوية لا مادية ، ومثال ذلك الصدمات النفسية التي تترك جروحا عميقة في النفس ( رؤيتنا لحادث مرور يبقى راسخا رغم أنه لم يتكرر إلا أننا متذكره باستمرار ) ، حيث يرى " برغسون " أن الاحتفاظ بالماضي يتم وفق صورتين مختلفتين جوهريا : صورة آلية محزنة في الجسم ، ويسميها برغسون بذاكرة العادة ، وهي ذاكرة بيولوجية حركية تقوم على أساس البدن وتأخذ شكل عادات آلية ، أما الصنف الثاني وهي ذاكرة نفسية أو الذاكرة النفسية الشعورية ، وهي ذاكرة مستقلة عن الجسم ذو طبيعة روحية ، ويحكم برغسون أن الذاكرة النفسية هي الذاكرة الحلقة وليست ذاكرة العادة ، ومنه لما كانت ذاكرة الذاكرة مرتبطة بالشعور والنفس فلابد أن تكون ذو طبيعة نفسية روحية خالصة ، فالعالم الرئيسي في إثبات وتثبيت الذكريات هو الإهتمام وهو عامل نفسي وليس آلي ومادي ، يقول برغسون : « إن الشعور إنما يعني أولا وبالذات الذاكرة » ، وفي منوال آخر يقول : « إن الشعور هو ذاكرة أعني أنه حفظ الماضي في الحاضر وتجمع الماضي في الحاضر » ، وهذا ما أغفل عنه أصحاب التفسير المادي لأنهم حسب برغسون أخلطو بين النوعين السابقين واكتفوا بالذاكرة الحركية مهملين الذاكرة النفسية الأهم منها ، ويثبت برغسون هذا التميز من خلال مقارنته بين خصائص كل نوع ، فالإصابات الدماغية في الجهاز العصبي لها تأثير على الآليات الدماغية التي تحفظ ذاكرة العادة بينما ليس لها أثر على الذكريات النفسية ، كما أن الإكتساب في النوع الأول ( ذاكرة العادة ) يكون بالتدرج والتكرار ، بينما في ذاكرة الذاكرة يكون دفعة واحدة وبدون تكرار ، مثال ذلك عند إدراكنا لحادث مرور ماضي فلا يستدعي تكراره كي يكتسب ، كذلك قدرة الإسترجاع : فذاكرة العادة مرهونة بمدى تكرارها ، لهذا يعمد التلميذ إلى حفظ دروسه أثناء المراجعة ، بينما إسترجاع الذكريات على مستوى الذاكرة النفسية مشروط بمدى تأثيرها على ذاتية الإنسان ودرجة الألم أو اللذة التي تخلفها الحادثة .

نقد وتقييم :

على الرغم من مساهمة برغسون في توضيح موضوع الذاكرة ووظائفها المتعددة إلا أنه بالغ في الفصل بين ماهو نفسي وبين ماهو عضوي ، وبالغ كثيرا في تمجيد الجانب النفسي وجعله المعبر الوحيد عن طبيعة الذاكرة ، فبما أنه أقر بوجود نوعين كان عليه الإقرار كذلك بوجود طبيعتين ! . ولا وجود لكبرى منطقي أو علمي يثبت أن الذاكرة ذات طبيعة نفسية بحتة ، فلو كانت كذلك كيف تفسر الفقدان الكلي أو الجزئي للذكريات أثناء إصابة الدماغ ؟ .

تركيب :

من خلال ما سبق ذكره يمكننا القول بأن الذاكرة ذات طبيعة مادية بيولوجية وكذلك ذات طبيعة نفسية ، فمن الخطأ إعتبارها أنها عملية آلية محضة تابعة للدماغ فقط ، ولا كذلك إعتبارها عملية نفسية فقط ، فكلاهما يمثلان جوهر الذاكرة ، بالاضافة إلى طبيعة أخرى في بناء الذكريات وهي الطبيعة الإجتماعية ، حيث يرى " هاليفاكس " أن أهم عامل مؤثر في عملية التذكر هو العامل الإجتماعي ، وبالتالي فالذاكرة ذات طبيعة اجتماعية كذلك ، فالمجتمع في نظره هو ما يساعد الإنسان على التذكر من خلال العادات والتقاليد التي سماها بـ " الأطر الاجتماعية للذاكرة " ، حيث يقول  إن الماضي لا يحتفظ به وإنما يعاد بناءه من الحاضر ، والذاكرة تكون قوية عندما تنبعث من نقطة التقاء الأطر الاجتماعية

حل المشكلة :خاتمة 

في الاخير يمكننا القول بأن الذاكرة ليست ظاهرة مادية فيزيولوجية بحتة وليست ظاهرة نفسية بحتة ، بل هي تكامل ومزيج بين البنية العضوية والبسيكولوجية وكذلك الإجتماعية ، وبالتالي فالذاكرة وظيفة إنسانية تجمع بين الطبيعة الروحية المرتبطة بالنفس والمادية المتعلقة بالجسد ، لكن وجود الذكريات كمخزون أساسي للذاكرة متوقف على وجود حياة إجتماعية ، وهذا باعتبار الإنسان يصنع ذكرياته في إطار جماعة من الأفراد وليس في إطار فردي خالص

2 إجابة

0 تصويتات
بواسطة (628ألف نقاط)
 
أفضل إجابة

مقالة حول طبيعة الذاكرة آداب وفلسفة 

المقالة رقم 3 : طبيعة الذاكرة

الشعبة : أدب وفلسفة

السؤال : هل الذاكرة وظيفة مادية ؟ أم هي وظيفة نفسية ؟

المقدمة : ينفرد الإنسان عن غيره من المخلوقات بجملة من الملكات الذهنية التي تساعده على تحصيل المعرفة وتحقيق التكيف مع العالم الخارجي ومن بين هذه الملكات الذهنية نجد الذاكرة التي تقوم بحفظ صور الوقائع الماضية واسترجاعها في الحاضر مع الوعي بها من حيث هي وقائع ماضية ونظرا للأهمية التي تكتسيها الذاكرة لدى الإنسان فقد حضيت باهتمام العديد من المفكرين والفلاسفة وعلماء النفس نتج بشأنها اختلاف في المواقف وتباين في التصورات لاسيما حيال تفسير طبيعتها إذ يعتقد البعض بأن الذاكرة ظاهرة بيولوجية مرتبطة بالبدن في حين يرى آخرون بأنها ظاهرة نفسية خالصة لا علاقة لها بالجسد وفي ظل هذا الجدل القائم يثار التساؤل التالي : ما طبيعة الذاكرة ؟ هل هي ظاهرة مادية من اختصاص الدماغ ؟ أم هي ظاهرة نفسية روحية ؟

العرض: ( محاولة حل المشكلة )

1 - عرض منطق الأطروحة : يرى أنصار النظرية المادية وفي مقدمتهم تيودول ريبو ورونيه ديكارت وتين بأن الذاكرة ذات طبيعة مادية لا تختلف في وظائفها عن وظائف الظواهر الفيزيائية فهي تمتلك خاصية القابلية للاحتفاظ بآثار الذكريات المسجلة في خلايا الدماغ مثلما تمتلك قطعة الحديد خاصية الانصهار والتمدد والورقة خاصية القابلية للانثناء والطي فالذاكرة في نظرهم تابعة للجسم من اختصاص الدماغ فهي وظيفة يقوم بها الجهاز العصبي وبالتالي فالذكريات هي عبارة آثار مادية مخزنة في خلايا القشرة الدماغية بفعل التكرار إذ يمكن إثارتها مرة أخرى بفعل منبهات الحاضر ( كلمة ، إشارة ، صورة، فكرة ، مكان ... ) وفي هذا يقول ريبو: '' إن الذكريات تخزن في الدماغ وان كل خلية تخزن معلومة معينة " فالمناطق الدماغية في نظر ريبو تتلقى المعلومات عن طريق حاسة السمع فتحفظ بسرعة لكنها عرضة للنسيان بسهولة وإذا أراد الإنسان أن يثبتها أكثر لابد وأن ينقلها إلى مايعرف بالذاكرة قصيرة المدى بفضل الانتباه والتركيز (الوعي) تحفظها لمدة قصيرة وعن طريق التكرار تنقل إلى ذاكرة طويلة المدى وتنقش على الدماغ فتترك آثارا فيه

وهذا مانجده أيضا عند ابن سينا الذي قال : " إنها قوة محلها التجويف الأخير من الدماغ من شأنها حفظ ما يدركه الوهم من المعاني الجزئية " فنجده يقسم تجاويف الدماغ إلى ثلاث مناطق مقدم وأوسط ومؤخر ، الأول مسؤول عن حفظ صور الأشياء الحسية والأخير يحتفظ بمعاني تلك الصور أي بالذكريات فوظيفة الذاكرة بهذا المعنى هي الحفظ والتذكر

وهذا الرأي أيضا نجده عند رونيه ديكارت الذي يقول : " إن الذاكرة تكمن في ثنايا الجسم " والمقصود بذلك هو الدماغ وهذا ما عبر عنه تين بقوله : " المخ وعاء لحفظ الذكريات " وبحسبه أيضا (تين) بأن الذكريات محفوظة في الدماغ كما تحفظ الموسيقى في الأسطوانة وأي تلف مادي يصيب الأسطوانة يتلف المعلومات المحفوظة بها والأمر نفسه ينطبق على الذاكرة فإصابة أي جزء من الدماغ سيؤدي إلى تلف كلي أو جزئي لبعض الذكريات .

ويستند أنصار هذا الاتجاه في تبرير موقفهم على الحجج التالية :

الحجة الأولى : توصل ريبو إلى أن إتلاف خلايا الجملة العصبية نتيجة حادث ما يؤدي مباشرة إلى فقدان جزئي أو كلي للذاكرة وهذا من خلال استناده إلى أعمال وتجارب دولاي عن الفتاة التي أصيبت برصاصة في منطقة الفص الجداري الأيمن (منطقة من الدماغ) نتج عن ذلك فقدانها للمعرفة الحسية اللمسية في الجهة اليسرى فبعد تعصيب عينيها وضع في يدها اليسرى مشط فوصفت جميع أجزائه إلا أنها لم تستطع التعرف عليه وهذا يعني أنها فقدت ذكرى المشط

الحجة الثانية : كما استند ريبو إلى التجربة التي قام بها الجراح الفرنسي جورج بروكا على أحد الحيوانات حينما قام بتخريب منطقة في دماغ الحيوان مسؤولة عن حفظ الذكريات وتثبت تجارب بروكا أن نزيفا دمويا في منطقة التلفيف الثالث من الجهة الشمالية للدماغ يولد مرض الحبسة ( وهو مرض يفقد صاحبه قوة الكلام من غير أن يكون هنالك خلل في أعضاء الصوت ) وأن فساد التلفيف الثاني من يسار الناحية الجدارية يولد العمى اللفظي ( وهو عدم فهم معاني الكلمات ) وبهذا فان الدماغ عند ريبو وعاء للذكريات وأن هذه الأخيرة تشبه الأفعال الآلية أي العادة وهنا يقول : " إن الذكريات الراسخة هي الذكريات التي استفادت من التكرار"

الحجة الثالثة : كما أن الذاكرة ذات أصول مادية مرتبطة بالأجهزة العضوية والدليل على ذلك أن الذاكرة تتعدد بتعدد الحواس إذ هناك ذاكرة بصرية وذاكرة سمعية وذاكرة ذوقية ....الخ

الحجة الرابعة : وتثبت التجربة أن اختلال الهضم ودوران الدم والتنفس يؤثر على التذكر إذ هناك بعض المواد المهيجة للجملة العصبية أو المسكنة تنبه الذاكرة أو تضعفها فتناول بعض الأغذية يساعد على تنشيط القدرة على استرجاع الذكريات كتناول السمك الغني بالبروتين أو الموز أو العسل...وهذا ما أثبته العلم الحديث

الحجة الخامسة : كما اعتمد ريبو على حجة واقعية فالواقع يدل على أن الأشخاص المسنين يجدون صعوبة في استرجاع ذكرياتهم الماضية نتيجة موت خلايا القشرة الدماغية لديهم

النقد : لاشك أن للجوانب العضوية أثر في تحديد طبيعة الذاكرة وتفسير بعض جوانبها غير أن ذلك لا يفسر أن الذاكرة ظاهرة مادية خالصة مستقلة عن الجوانب النفسية فلو كان الأمر كذلك لأدت الإصابات الدماغية إلى فقدان الذكريات بصفة نهائية لكن الملاحظة تثبت أن المصاب لا يفقد ذكرياته بل أن ما يعانيه هو صعوبة في التذكر والدليل على ذلك أنه قد يسترجع ذكريات أثناء حالة انفعالية وهذا يبطل التفسير المادي للذاكرة . ثم إن الواقع يؤكد أن المرء قد يفقد ذكرياته على الرغم من سلامة المخ وعدم تعرض الدماغ لأي صدمة وهذه الحالة تؤكدها تجربة الطالب أثناء الامتحان حيث يعجز عن استرجاع معارفه رغم سلامة دماغه من أي خلل كما أن التكرار لا يكون في مطلق الأحوال سببا في تثبيت الذكريات ذلك أنه توجد ذكريات لا تتكرر ومن شدة وقعها في النفس تصبح ذكرى لهذا قال برغسون عن ريبو بأنه أخلط بين الذاكرة والعادة

2 - عرض نقيض الأطروحة : وعلى النقيض من الموقف الأول يرى أنصار النظرية النفسية وفي مقدمتهم الفيلسوف الفرنسي هنري برغسون بأن الذاكرة ترجع إلى خصائص شعورية نفسية فهي عملية نفسية واعية قوامها الشعور وهو ما يجعلها جوهر روحي محض ، حيث يرى برغسون أن الاحتفاظ بالماضي يتم وفق صورتين مختلفتين جوهريا فقد يكون في صورة آلية مخزونة في الجسم وقد يكون في صورة ذكريات نفسية مستقلة عن الدماغ وتسمى طريقة الاحتفاظ الأولى بذاكرة العادة وهي ذاكرة بيولوجية حركية تقوم على أساس البدن و تأخذ شكل عادات آلية تم اكتسابها عن طريق التكرار كالحفظ عن ظهر قلب وأما الصنف الثاني فيسميه برغسون بذاكرة الذاكرة أو الذاكرة النفسية الشعورية وهي ذاكرة نفسية ذات طبيعة روحية مستقلة تماما عن الجسم والدماغ فتقوم بتصوير الماضي واستحضاره بدون إعادة أو تكرار فهي تنقله إلينا في صورة حالات نفسية ومثالها أن حفظ درس يتطلب تكراره عدة مرات بواسطة التسميع الذاتي والتكرار يكسب عادات حركية تساعد على انطباع الدرس في الذهن واسترجاعه يتم بواسطة تلك العادات الحركية غير أن محاولة استرجاع الطريقة التي تم الحفظ بواسطتها وما صاحب ذلك من ملابسات كالقراءة الأولى نوع الخط الذي كتب به الدرس مكان الحفظ ...الخ هي عملية نفسية ولا تتم بواسطة الآليات الحركية لأن الذاكرة الحركية تعتمد على التكرار أما الذاكرة النفسية فهي نوع من التصور قائم في الزمان وبهذا فالعادة جسمية والذاكرة نفسية ، ويحكم برغسون أن الذاكرة الحقيقية هي الذاكرة النفسية وليست ذاكرة العادة ومنه لما كانت ذاكرة الذاكرة مرتبطة بالشعور والنفس فلابد أن تكون ذو طبيعة نفسية روحية خالصة لا علاقة لها بالجسد المادي حيث يقول :" إن الشعور إنما يعني أولا وبالذات الذاكرة " وهذا ما أغفل عنه أصحاب التفسير المادي للذاكرة لأنهم أخلطوا بين النوعين السابقين واكتفوا بالذاكرة الحركية مهملين الذاكرة النفسية الأهم منها ، ويثبت برغسون هذا التمييز من خلال مقارنته بين خصائص كل نوع فالإصابات الدماغية في الجهاز العصبي لها تأثير على الآليات الدماغية التي تحفظ ذاكرة العادة بينما ليس لها أي أثر على الذكريات النفسية كما أن الاكتساب في النوع الأول يكون بالتدريج والتكرار أما الاكتساب في الثانية فيكون دفعة واحدة وبدون تكرار مثل إدراكنا لحادث مرور مروع ماضي فلا يستدعي تكراره كي يكتسب كذلك قدرة استرجاع ذاكرة العادة مرهونة بمدى تكرارها لهذا يعمد التلميذ أثناء تحضيره لشهادة البكالوريا إلى تكرار المراجعة حتى يتمكن من استرجاعها يوم الامتحان بينما استرجاع الذكريات على مستوى الذاكرة النفسية مشروط بمدى تأثيرها على نفس الإنسان ودرجة الألم أو اللذة التي تخلفها الحادثة ، ومن هنا يبدوا الفرق بين هذين النوعين واضحا وهو ما أخفله التفسير المادي الذي ينطبق على النوع الأول فقط بينما حقيقة الذاكرة وجوهرها هو النوع الثاني أي الذاكرة النفسية التي ترتبط بالنفس والشعور وهو ما جعل برغسون لا يميز بين الذاكرة والشعور حيث يقول: " إن الشعور هو ذاكرة أعني أنه حفظ للماضي في الحاضر وتجمع للماضي في الحاضر"

وعليه فالذاكرة بالنسبة لبرغسون ما هي إلا استيقاظ الشعور من جديد وإحياء للماضي فالذكريات في نظر برغسون موجودة في الفكر ( الأنا العميق ) لذا يقول ڨرنيي : " لما نتذكر ما فعلناه فنحن نراه ونعيشه ونكون في الماضي الذي ندركه بدون واسطة" ويبرر برغسون تفسيره لعملية التذكر بجملة من المبررات المبنية على انتقاده لنظرية ريبو فالدماغ في نظر برغسون أداة لاستحضار الذكريات وليس للاحتفاظ بها وبالتالي إصابة في الدماغ لا يؤدي إلى زوال الذكريات بل إلى ضعف التذكر، وفقدان التذكر في نظر برغسون راجع إلى عدم الإرادة في الاسترجاع وليس فقدان وزوال الذكريات لأن الذكريات التي لا تظهر موجودة في اللاشعور والذكريات التي تظهر موجودة في الشعور.

النقد : فعلا هناك فرق بين الذاكرة العادة والذاكرة النفسية إلا أن الفصل بين ما هو نفسي وما هو عضوي أمر مبالغ ، كما أن هذه النظرية قللت من دور الدماغ في عملية التذكر وقللت من دور التكرار مع العلم أن ترسيخ وحفظ ذكرى ما متوقف على التكرار بالدرجة الأولى ، كما أن الذاكرة القوية بحاجة إلى جهاز عضوي سليم ومرن ثم أن برغسون قد أنكر وجود الذكريات في الخلايا العصبية واستبعد تماما دور الجسم والمجتمع في تكوين الذاكرة الحقيقية، فضلا عن ذلك فان كانت نظرية برغسون قد فسرت لنا كيفية حفظ الذكريات ولكن كيف نفسر فقدان الذاكرة أثناء تخريب منطقة البروكا الدماغية ؟ وكيف نفسر قوة الذاكرة وضعفها مع قوة الجهاز العصبي كما هو الحال بين الطفل والمسن ؟

التركيب : كلا الموقفين السالفين سواء أصحاب التفسير المادي أو النفسي قد اهتموا بجانب واحد من طبيعة الذاكرة مما يجعل موقفهما ذاتي وهو ما يدفعنا إلى التجاوز ونجد التفسير الاجتماعي يقدم طرح جديد تجاوزي حيث يرى هالفاكس أن الذكرى هي حادثة تتكون ثم تخزن وتستحضر في إطار الجماعة فقط فلولا المجتمع لما تم تشكل أي نوع من الذاكرات لأنها في النهاية ما هي إلا حوادث اجتماعية وهو ما يجعل من الذاكرة ذات طبيعة اجتماعية سوسيولوجية حيث يقول هالفاكس : " إن الجماعات التي أنا جزء منها تقدم لي في كل آن الوسائل الكفيلة بإعادة ترتيب هذه الذكريات "

الرأي الشخصي الذاكرة يجتمع فيها الجانب النفسي المادي الاجتماعي

الخاتمة ( حل المشكلة ) : ومن كل ما سبق من تحليل نستنتج أن الذاكرة ليست ظاهرة بيولوجية خالصة وإنما هي وظيفة عقلية ونفسية معقدة يساهم في تركيبها عدة عوامل منها العامل الفردي بأبعاده النفسية والعقلية والبيولوجية والعامل الاجتماعي وما يتضمنه من أطر وقيم اجتماعية ومنه يمكن القول أن الذكريات تتكون بفضل التأثيرات النفسية والمادية والاجتماعية حيث لا يمكن فصل عامل عن الآخر.

0 تصويتات
بواسطة (628ألف نقاط)
هل الذاكرة ذات طبيعة مادية أم نفسية

اسئلة متعلقة

مرحبًا بك إلى موقع باك نت، حيث يمكنك طرح الأسئلة وانتظار الإجابة عليها من المستخدمين الآخرين.
...