مقالة حول علاقة الأنا بالغير باك 2024
مرحباً طلاب وطالبات البكالوريا في موقع باك نت يسرنا بزيارتكم أن نقدم أهم مقالة جدلية حول العلاقة بين الأنا و الغير باك 2024
مقالة علاقة الأنا بالغير ( شعبة لغات أجنبية - ع ت- ريا )
السؤال : هل العلاقة بين الأنا و الغير تحتكم لعاطفة الصراع و التنافر ؟
طرح مشكلة : إدراك الحقيقة ومعرفة الإنسان لعالمه الداخلي هو موضوع أساسي في الفكر الفلسفي الذي حاول فهم أغوار النفس البشرية منذ اللحظة السقراطية التي غيرت مجرى التفكير من عالم السماء نحو الذات التي تُعَرَفُ بأنها ذلك الجوهر القائم بذاته الثابت الذي لا يتغير على الرغم مما يلحق الجسم من أعراض ، هي النفس أو الشخص وكل ما يشير إليه الإنسان بقوله أنا ، لكن ليس مهما ضبط المفهوم، إنما الأهم من ذلك هو تحديدالعلاقة القائمة بين الذات أي الأنا و الأخر وهو الغير وهذا ما شكل محور النقاش لدى الكثير من الدارسين فلاسفة و مفكرين ، حيث أكد البعض منهم أن العلاقة بين الأنا و الغير هي صراع وتنافر ، وفي النقيض من ذلك أكد البعض الآخر منهم أنها علاقة تواصل إيجابي وفي ظل هذا الاختلاف و التضارب في الأفكار و الأراء لمسنا جدالا فلسفيا و ديالكتيك أمكن لنا التعبير عنه بطرحنا للاشكال التالي : هل العلاقة بين الأنا و الغير هي صراع و تنافر أم تقارب و صداقة ؟
محاولة حل المشكلة :
الموقف الأول : العلاقة التي تربط الأنا بالغير هي علاقة صراع " هيجل - ألكسندر كوجيف- فرويد "
الحجج و البراهين : * إتخد هيجل من مفهوم الصراع أساسا لعلاقة الأنا بالآخر ، فاحتل بذلك مكانة متميزة في فكره ، إذ هو أساس الوعي والوجود والتاريخ ، ويعتبر هيجل أن شرف الإنسان يكمن في كونه وجود لذاته أي وجودا مغايرا ولحظة وعي الإنسان بأنه وجود لذاته يقطع صلته بالطبيعة وأشياءها ، وهذه الرغبة في القطع مع الطبيعة تأخذ شكل صراع ضد الغير من أجل الإعتراف ، فالإنسان يرغب في اعتراف الغير بما هو وجود لذاته ، وهذا الصراع يأخذ صورة نشاط يقوم به الإنسان اتجاه الغير من خلال الدخول معه في صراع من أجل الإعتراف يقول هيجل : " صحيح أن الفرد الذي لم يخاطر بحياته، قد يعترف به كشخص، ولكنه لا يبلغ حقيقة الاعتراف به كوعي لذاته مستقل لذلك يكون على كل فرد عندما يخاطر بحياته الخاصة أن يسعى إلى موت الآخر "
*يقودنا هذا الصراع إلى جدلية العبد والسيد : موقف العبد الذي يتنازل عن الصراع خوفا من الموت ، والذي يعلن عن رغبة البقاء على الحرية ، في مقابل موقف السيد الذي كان مستعدا لمواصلة الصراع والتضحية بحياته ، فاختار الحرية على الحياة ، بحيث يرفض أن يكون غير ذاته ، فيختار الوجود على نمط الأشياء أي وجودا في ذاته ، وبهذا ينحذر السيد إلى أحط درجات الرغبة ويجعل التدمير شرط علاقته بالطبيعة ، وفي المقابل يدخل العبد في صراع جديد مع الطبيعة فيقوي تاريخيا إرادته وهكذا يستعيد إنسانيته التي فقدت في الصراع فيكون عبدا للسيد وسيدا على الطبيعة والسيد سيدا على العبد وعبدا للطبيعة يقول هيجل : " تتمثل عملية تقديم الذات لنفسها أمام الآخر بوصفها تجريدا خالصا من خلال المخاطرة بحياتها الخاصة إنه الصراع من أجل الحياة والموت".
يبين هيجل في جدلية العبد والسيد أن العلاقة بين الأنا والآخر قائمة على الصراع الذي يؤدي في النهاية إلى تفاعل الذوات الإنسانية ودخولها في علاقات جدلية ، فالذات لن تأخذ مكانها في الوجود إلا باعتبارها السيد أو العبد وهذا الصراع يكون مستمرا في الزمان والمكان بما أن كل ذات تسعى إلى انتزاع الإعتراف بشكل دائم أي أن العلاقة هي علاقة صراع وقوة وهيمنة وهي جوهر الوجود البشري العلائقي والتفاعلي.
*وفي فلسفة الألماني نيتشه نجد ارادة الاقتدار و القوة وحسبه ليست إرادة القوة مفهوما سيئًا، فهو غريزة أساسية موجودة لدى كل شخص، ولكنها تعبر عن نفسها بوسائل مختلفة، إذ يوجه الفيلسوف والعالِم إرادة القوة عندهما لتصبح رغبة نحو الحقيقة، أما الفنان فيوجه إرادة القوة للخلق والإبداع، في حين يُرضي رجال الأعمال إرادة القوة عندهم من طريق تنمية ثرواتهم يقارن نيتشه بين المبادئ الأخلاقية عند كل من العبد والسيد، ولكنه يرجع أصل الطرفين إلى إرادة القوة إذ يفرض الناس الأقوياء والأصحاء والبارعون قيمهم على العالم مباشرة ومن دون تردد في حين يسعى الضعفاء -على وجه النقيض- إلى فرض قيمهم بطريقة مخادعة وملتوية وغير مباشرة، بطريقة تجعل الأقوياء يشعرون بالذنب من صحتهم وقوتهم وغروريتهم وكبريائهم يقول نيتشه على لسان زراداشت في إحدى الشذرات: "لقد أفصحت إلى الحياة بسرها قائلة : إنه محكوم علي دائما أن أتفوق على ذاتي و على الغير ". و بالتالي فالصراع الإنساني في الحياة له صورتين الأولى صراع الإنسان مع ذاته و الثانية صراعه مع الغير و من الضروري على الإنسان أن يفوز في الصراع الثاني - صراع الغير- ليكون هو السيد.
*ونفس هذا التصور لعلاقة الصراع نجده عند ألكسندر كوجيف الذي يؤكد بدوره أنها علاقة تنافر و تضارب و قتال ، لأنها تقوم على مبدأ الهيمنة، فكل منهما يسعى إلى موت الآخر، أو انتزاع الاعتراف من لآخر، فيصبح أحدهما سيدا والآخر عبدا، إن الوجود البشري في نظره لا يتحقق كواقع اجتماعي إلا عبر الصراع بين سيد مسيطر وعبد خاضع وفي هذا يقول : "التاريخ ينبغي أن يكون تاريخ تفاعل السيادة والعبودية ". فكل من السيد والعبد يحاول كينونيا واجتماعيا وميتافيزيقيا أن يحقق وجوده وحياته وحريته عن طريق الصراع الجدلي والمخاطرة لتفادي الموت والاندثار. فالسيد لا يمكن أن يحافظ على مكانته الاجتماعية والمصيرية إلاَّ بالصراع مع العبد والانتصار عليه ، ومن الناحية النفسية يظهر التفسير الذي قدمه طبيب الأعصاب النمساوي سيغموند فرويد الذي أكد أن حالاتنا النفسية هي دوافع و غرائز تميل لفرض هيمنة الذات من أجل الاعتراف بها و تصبح هذه الرغبات الغريزية و العدوانية لا شعورية تؤدي بصاحبها إلى تفعيل الأذى ضد الغير و محاولة اخضاعه لهوية الأنا و حقيقته يقول فرويد "علاقة الأنا بالغير هي علاقة صراع لأن الإنسان عدواني بطبعه"
النقد: من ناحية ما يمكن قبول هذا الموقف و ما قدمه من حجج و براهين و لكن مع ذلك فإن الصراع ليس مفهوما أخلاقيا في العلاقات بين الناس فهذا الأساس لا يسعى لمعرفة الذات بل هو دعوة للصراع وإثارة الفتن والقضاء على الغير، وفق غريزة حيوانية فيها البقاء للأقوى. كما أن كرامة الإنسان وقيمته، وسمو عقله تدعوه للتوافق مع الآخر، ووعي ذاته وقيمتها، وليس العمل للقضاء على أخيه ثم إن العلاقات الإنسانية لا تؤسس على منطق الغالب والمغلوب، بل تقوم على مبدأ التعادل في الاعتبار، والعيش المشترك والمصير الواحد وهذا ما يظهر فساد هذا الأساس في القامة العلاقات.
الموقف الثاني العلاقة بين الذات والغير أساسها التواصل و الصداقة " ماكس شيلر- أوغست كونت - مارتن هيدغر- ميرلوبونتي ".
الحجج و البراهين :
*يؤكد الفيلسوف أكسيل هونيث أن عملية تكوين الذات أمر يتوقف على ما يسميه بالتفاعل الاجتماعي وتأسيس مختلف أشكال العلاقات الممكنة بين البشر. فمن خلال التفاعل التذاوتي الذي يتم بين الفرد والغير، وما تتضمنه هذه العلاقات من أشكال التعامل الاجتماعي، يكتسب الفرد وعيه بذاته وبكيفية تحقيقها، لذلك لا يمكن تحقيق ذواتنا بحسب أكسل هونيث إلا من خلال الاعتراف، ومن خلال علاقتنا بغيرنا من الناس الذين نتفاعل معهم على المستوى الاجتماعي.يقول في هذا الصدد"الاعتراف المتبادل كفيل بوضع حد للصراعات الاجتماعية القائمة على السيطرة والهيمنة والظلم الاجـتماعي"، وبالتالي يستطيع الأفراد تحقيق ذواتهم، وهذا ما يتم حقا ضمن العلاقات التذاوتية، وهي علاقات تتوقف على تحقيق ثلاثة نماذج معيارية متميزة للاعتراف وهي على التوالي :الحب والحق والتضامن.
*يقول الفيلسوف ماكس شيلر 1874- 1928 " إن أول ما ندركه من الناس الذين نعيش وإياهم، ليس هو أجسادهم "ما لم يتعلق الأمر بفحص طبي خارجي" ولا أفكارهم ونفوسهم ، بل إن أول ما ندركه منهم هو مجموعات لا تنقسم ولا تتجزأ " في هذه العبارة يرفض شيلر أن ننظر للغير كشيء مجزء بل يجب أن نراه كحقيقة واحدة نشترك معها في هذا العالم الفسيح فوجود الغير ضروري بالنسبة للأنا ، ذلك أن الغير هو الذي يعرفنا بخبايا النفس والذات شعوريا ولاشعوريا ، فالطبيب النفساني هو الذي يساعد المريض على فهم نفسيته وتفسيرها على ضوء أسبابها الذاتية والموضوعية ومن ثم فالغير وسيط ضروري للذات لتعرف موضوعها القابل للإدراك ويذهب ماكس شيلر إلى أن العلاقة الموجودة بين الذات والغير هي علاقة إيجابية ممكنة أساسها التعاطف لا التنافر، أي لابد للغير أن يقيم علاقات نفسية وجدانية مع الذات الأخرى المقابلة أساسها التعاطف الوجداني الداخلي المتين إضافة إلى هذا يرفض شيلر نظرة تقليل الاحترام للغير بل علينا أن ننظر إليه الغير نظرة احترام كلي إنها نظرة موحدة يلتحم فيها الداخل والخارج، والظاهر والباطن، والجسم والروح في بوتقة وجدانية لا تخضع بشكل من الأشكال لأي نوع من التقسيم أو التجزيء المصطنع .
*ينطلق مارتن هايدغر في مناقشته لإشكالية وجود الغير في كتابه "الكينونة والزمن" من تأكيده على أن الإنسان موجود في هذا العالم، هذا الوجود عند هايدغر ليس بالمعنى المكاني الفزيائي، بل بالمعنى الأونطولوجي إلى جانب موجودات بشرية أخرى، فالموجود هنا(الأنا) تجد نفسها في عالم الآخرين الذي يفرض عليها أن تتعامل معه وتعيش معه، فهايدغر، لا يقصي الغير ولا يدعوا للعزلة والفردانية كما ذهبت إلى ذلك الفلسفات الذاتية بل إنه يرى العزلة عن الآخرين غير ممكنة ويلخص ذلك في قوله"إن الوجود بدون الآخرين هو نفسه صورة من صور الوجود مع الآخرين " من هنا يؤكد هايدغر أن علاقة الأنا بالغير هي اشتراك بين الذوات تتجاوز مستوى التحاور الانطولوجي الى مستوى الالتقاء والاشتراك في بناء التجربة الوجودية الانسانية الحيوية المشتركة وهكذا نجد "هايدغر" يقول : الوجود مع هو اشتراك الأنا مع باقي الموجودات في الوجود ". لأن العالم الذي أوجد فيه الأنا هو دائما العالم الذي يتقاسمه مع الآخرين وهذا الإشتراك يدل على وضعية الإنسان في العالم من خلال تجربته في الحياة ،كما يلعب التواصل في نظره والحوار عنصران إيجابيان في هدم تلك الهوة القائمة بين الأنا والآخر فلا يمكن للإنسان حسب هايدغر أن يحبس نفسه في قمم معزولة لأن قطب 'الأنا' لا يستطيع العيش إلا في علاقة "بقطب الغير"، حقا إن المرء يولد بمفرده ويموت بمفرده، ولكنه لا يحيا إلا مع الآخرين وبالآخرين وللآخرين من بين المتبنين لهذا الطرح نجد ميرلوبونتي حيث ينظر إلى الغير كذات مماثلة تتمتع بكامل وعيها وحريتها وإنسانيتها وبالتالي يدعو إلى قيام علاقة التبادل بينهما على أساس التعاطف والتعاون والمشاركة الوجدانية ، إذ يجب اعتبار الآخر حالة خاصة لها حياتها ، إذ يمكن مثلا من خلال الصداقة أن أشاركه الحزن ، وبمجرد ماتدخل الذات في تواصل مع الغير تتحطم فكرة التعالي عن الأنا الآخر .لكن هذا الغير ليس مجرد سلوك أو تصرفات يكفي أن نتواصل معه لمعرفته لأن هناك باطنا نفسيا خاصا بها لا يمكن النفاذ إليه فكل ماأقوم به هو التعبير عن شعوري بالتأثر ،يقول ميرلوبونتي"يدخل الأنا والغير في علاقة الإعتراف المتبادل مع الحفاظ على فردية كل واحد منهما" .
*ونجد أيضا أوغست كونت الذي يذهب إلى القول بضرورة إختزال العلاقات الإنسانية في فكرة واحدة هي أن يحيا الإنسان من أجل غيره إنطلاقا من دوافع التعاطف الإنساني التي تجعل كل فرد من أفراد المجتمع يتلقى المساعدة من طرف الآخرين ،إضافة إلى هذا نجد جيل دولوز الذي يرى أن الغير ضروري بالنسبة للأنا، فبنظره ثمة العديد من الأغيار المقابلة لعنصر أي إن الأنا لا يمكن أن تدرك كل العناصر المحيطة بالشيء المرغوب إدراكه، فلابد من الاستعانة بالغير على مستوى المعرفة والإدراك. فإذا أخذنا على سبيل المثال الشجرة، فالذات لا يمكن أن تدرك منها سوى زاوية معينة، بينما الزوايا الأخرى من الموضوع المدرك موجودة، ولا يمكن القول بعدمها واستحالة وجودها مادمنا لا ندركها من زاوية معينة ، ومن هنا، يتدخل الغير الآخر ليدركها من منظوره الخاص. أي أن الغير يساعد الذات في المعرفة والإدراك والتحصيل الموضوعي وعليه، فوجود الغير ضروري للأنا عند جيل دولوز من خلال تصوره النسقي البنيوي، يقول دولوز " العلاقة بين الأنا والغير إيجابية قائمة على التكامل الإدراكي".
النقد : صحة هذا الموقف لا تنفي أن الإنسان قد عرف منذ أقدم العصور عاطفة الصراع و هي التي حركته في جميع المجالات بداية من صراعه مع الطبيعة ثم صراعه مع نفسه و لكن أكثر الأنواع انتشارا هو صراعه مع الغير كما أنه مهما كنا نحيا في مجتمع انساني يحقق ضربا من الاتصال بيننا وبين الغير عن طريق اللغة والتعاطف والمواقف المشتركة مع ذلك لا يمكن لأحد أن ينفذ إلى أعماقنا ويعبر عن حقيقتنا ويفهمها، كما أن أقصى ما يقدمه لنا الغير لا يتجاوز العلاقات الظاهرية والمجاملات اللفظية السطحية هذا الغير لا يمكن أن يشاركنا عواطفنا الحقيقية مهما كان قريبا منا، و تاريخ الإنسانية ما هو إلا صراعات بين الأنا و الغير هذا الموقف كانت له نظرة مثالية عن العلاقات الإنسانية و الاجتماعية و هي نظرة منافية لما يحصل في العالم من حروب و استغلال الإنسان لأخيه الإنسان.
التركيب والخاتمة على مربع الاجابة اسفل الصفحة التالية