0 تصويتات
في تصنيف مقالات ونصوص فلسفية باك 2024 بواسطة (628ألف نقاط)

نص السؤال: هل العولمة خير كلها؟ خاص بشعبة اللغات الأجنبية + سنة ثانية أداب وفلسفة.

هل العولمة خير كلها مقال لغات وسنة ثانية أداب وفلسفة

المقال:

إذا كان لكل عصر من العصور مفاهيمه و قضاياه، فإنه ما من شك أن ظاهرة العولمة هي من المفاهيم الأساسية، و القضية التي نالت حظها من الدراسة و الاهتمام، فهي تستقطب اهتمام الحكومات و المؤسسات و مراكز البحث و وسائل الإعلام، فقد تعاظم دورها و تأثيرها على أوضاع الدول و الأمم على حد سواء. فإذا علمنا أن للعولمة أنصارا و مؤيدين، كما لها في الطرف الأخر خصوما و معارضين، يصبح التساؤل عن حقيقة العولمة و الآثار التي تتركها من الأمور الهامة، فما هي العولمة إذن و لماذا تستقطب كل هذا الاهتمام؟ و في عبارة واحدة ما العولمة و ماذا يترتب عنها؟ وهل العولمة فرص كلها أم مخاطر؟

في البداية يمكن الإشارة إلى أن مفهوم العولمة يكتسي معان عديدة تلتقي كلها حسب الدلالة اللغوية في "جعل الشيء عالميا". كما أن العولمة مصطلح تتعدد و تتنوع تفسيراته بحسب المشتغلين، و من المترادفات التي تتناولها المقالات و الخطب نجد: الدوللة، الشوملة، العالمية، ...إلخ غير أن العولمة ظهرت بصفة لامعة و بالتحديد عند انهيار القطبية الثنائية، و ظهور القطبية الأحادية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، لهذا فقد شهد القرن الواحد و العشرين تحولات عميقة داخل عالم متقلص، تحكمه تقنيات الإعلام و الاتصال فضلا عن فتح الأسواق العالمية أو ما يصطلح على تسميته بالاقتصاد المفتوح، و من هنا يمكن فهم ظاهرة العولمة بوصفها منظومة من المبادئ السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و الإعلامية تدفع العالم قاطبة إلى الاندماج فيها، لكن الدارس المتعمق لفلسفة العولمة و إيديولوجيتها و أهدافها يدرك أن العولمة تعني التدخل الواضح لأمور الاقتصاد والاجتماع والسياسة والثقافة والسلوك دون مراعاة الحدود السياسية للدول ذات السيادة، أو الانتماء إلى دولة معينة ودون حاجة إلى إجراءات حكومية. فهي ظاهرة تهدف إلى السيطرة على العالم، كما أنها تتضمن العديد من الآثار الخطيرة لعل أهمها: أنها تشكل تدخلا صارخا في شؤون الأمم و ما ينتج عن ذلك من تفسخ للمبادئ و القيم الأخلاقية و الدينية. كما أنها سبب في عجز الشركات الوطنية من مواجهة قوة الشركات المتعددة الجنسيات التي تكرس السياسات الاحتكارية، كما يصبح العالم في ظل العولمة سوقا مفتوحا تسيره لغة المال و الأعمال. تنتشر فيه التقنيات الحديثة في الإنتاج مما يضعف دور سلطة نقابات العمال والجمعيات المهنية، بالإضافة إلى تكريس السيطرة السياسية و الاقتصادية و ما يترتب عنها من عميق الهوة بين الأغنياء و الفقراء، بين دول الشمال ودول الجنوب، ما من شأنه أن يؤدي إلى ظهور الآفات الاجتماعية الخطيرة أهمها: البطالة، التجارة بالنساء و الأطفال...بالإضافة إلى الغزو الثقافي وما ينتج عنه من انسلاخ عن القيم... الخ.

و يمكن في الأخير القول أن العولمة تتضمن مبادئ مادية محضة و لا تأخذ من المبادئ الدينية و الأخلاقية سندا لها. فهي وفق هذا الأساس تحمل طابع إيديولوجي، لهذا تعرف العولمة بإيديولوجية الألفية الثالثة"، و قد كانت مسألة آثار العولمة محل إقبال كبير للسياسيين و المثقفين، حيث عقدت عدة ندوات و مؤتمرات دولية تناولت بالدرس و التحليل تداعيات العولمة، ومن أبرز معارضي العولمة نجد موقف"الحركة الحماتية" التي تعتبر حركة عالمية احتجاجية مناهضة للعولمة، بالإضافة إلى كبريات المنظمات الدولية المدافعة عن حقوق الإنسان مثل المنظمة الدولية للعمل.

لكن و مع التسليم بسدادة الانتقادات الموجهة لفلسفة العولمة، و قوة الحراك النقدي ضدها، إلا أن الحقيقة تبين أن العولمة تحمل بعض الايجابيات التي من شأنها أن تعمل على تحقيق سعادة الإنسان و بالتالي العيش في ظروف أحسن.

لهذا لم يتردد أقطاب العولمة الفاعلون و هم كبار رجال الأعمال الأمريكيين و كبار البنكيين و المحامين و أرباب الشركات، خاصة أولئك المنتمين إلى الدول الخمس الكبرى من التلميح و الإشادة بمزايا العولمة التي من بينها: تعميم وسائل الاتصال فالفرد بإمكانه أن يرتبط مع مراسله في أي نقطة من العالم في أقل وقت و بدون جهد. كما أنها أدت إلى توسيع الأسواق و تحرير التجارة و ما يترتب عنه من ازدهار وتطوير في وسائل الإنتاج وكذا المنتوج وتقديمه بأسعار مناسبة. والمساهمة في اختفاء الانماط التقليدية لتقسيم العمل وظهور أنماط جديدة، بالإضافة إلى السماح بنقل التكنولوجيا المتطورة إلى دول العالم الثالث. زيادة مستوى التنقل بين دول العالم حيث نشاهد زيارة المسافرين والسائحين الدوليين تزداد يوما بعد يوم وبأعداد كبيرة، ذلك لأن العولمة تهدف إلى إحداث حضارة إنسانية ذات بعد واحد.

لكن العولمة كظاهرة تسعى إلى دمج المجتمعات الإنسانية بكل مشاربها في نطاق واحد بين الواقع استحالته، ذلك أن لكل مجتمع مميزاته و خصوصياته، فالتنوع الثقافي حقيقة تصطدم أمامها العولمة، كما أن كبار الفلاسفة كانوا ضد ذوبان الدول والأمم أمثال كانط، شيلر ، و قد علق ( هايدغر) معبرا عن خصوصية الأمة الألمانية قائلا " إن التفلسف بغير اللغة الألمانية يقتل الفلسفة".

تبقى الحقيقة التي يجب إطالة الوقوف عندها، هي أن العولمة واقع بمعنى أنها ظاهرة حية نعيش تحت نيرها، و من هنا بات لزاما على كل أمة تريد أن تثبت وجودها، أن لا تبقى خارج دائرة الأحداث و عجلة التاريخ، عليها أن تعي ذاتها ككيان و كرصيد حضاري. إنطلاقا من حب الذات و حب الآخر و الوطن ورموزه الحضارية و التاريخية، و الاجتهاد في بناء قوة اقتصادية للأمة، إن شاءت لنفسها أن تتجاوز مخاطر العولمة و بالتالي الأخذ ما هو صالح فيها.

لهذا نقول – دون خشية السقوط في المبالغة- أن الإسلام كرسالة عالمية قد ألح على التعايش السلمي دون طمس إرادة الغير يقول تعالى: "و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا".

نستنتج في الأخير أن العولمة من أهم القضايا التي لابد من تشخيصها، فهي تتضمن سلبيات و ايجابيات، غير أن التنوع الثقافي يبقى واقعا تصطدم أمامه العولمة، لهذا فالعولمة الايجابية هي التي تقوم على احترام ما هو خصوصي في سبيل ما هو عالمي لا العكس. فالعولمة غذن سلاح ذو حدين لها إيجابيات ولا تخلوا من سلبيات على الفرد وعلى المجتمع لذا يجب أخذ إيجابياتها دون الإنصهار فيها مع المحافظة على القيم والمبادئ الثابتة، وترك سلبياتها دون الصراع معها مما قد يدخل الشعوب والامم في مواجهات هم في غنى عنها. وبهذا يتكيف الأفراد والشعوب مع العولمة..

1 إجابة واحدة

0 تصويتات
بواسطة (628ألف نقاط)
 
أفضل إجابة
هل العولمة خير كلها مقال لغات وسنة ثانية أداب وفلسفة

اسئلة متعلقة

مرحبًا بك إلى موقع باك نت، حيث يمكنك طرح الأسئلة وانتظار الإجابة عليها من المستخدمين الآخرين.
...